mardi 18 avril 2017

قول الأعراب في الدعاء

قول الأعراب في الدعاء


قال عمر بن عبد العزيز رضي اللّه عنه: ما قوم أشبه بالسلف من الأعراب، لولا جفاء فيهم.
و قال غيلان: إذا أردت أن تسمع الدعاء فاسمع دعاء الأعراب.
قال أبو حاتم: أملى علينا أعرابي يقال له مرثد:
اللهم اغفر لي والجلد بارد، والنفس رطبة، واللسان منطلق، والصحف منشورة، والأقلام جارية، والتوبة مقبولة، والأنفس مريحة، والتضرع مرجوّ، قبل أزّ العروق، وحشك‏ النفس، وعلز الصدر، وتزيّل الأوصال، ونصول الشعر، وتحيّف‏ التراب؛ وقبل أن لا أقدر على استغفارك حتى يفنى الأجل، وينقطع العمل. أعنّي على الموت وكربته، وعلى القبر وغمّته، وعلى الميزان وخفّته، وعلى الصراط وزلّته، وعلى يوم القيامة وروعته؛ اغفر لي مغفرة واسعة لا تغادر ذنبا، ولا تدع كربا؛ اغفر لي جميع ما افترضت عليّ ولم أؤدّه إليك؛ اغفر لي جميع ما تبت إليك منه ثم عدت فيه يا رب تظاهرت عليّ منك النعم، وتداركت عندك مني الذنوب؛ فلك الحمد على النعم التي تظاهرت، وأستغفرك الذنوب التي تداركت. أمسيت عن عذابي غنيا، وأصبحت إلى رحمتك فقيرا؛ اللهم إني أسألك نجاح الأمل عند انقطاع الأجل، اللهم أجعل خير عملي ما وليّ أجلي؛ اللهم اجعلني من الذين إذا أعطيتهم شكروا، وإذا ابتليتهم صبروا، وإذا أذكرتهم ذكروا، واجعل لي قلبا توّابا أوّابا، لا فاجرا ولا مرتابا. اجعلني من الذين إذا أحسنوا ازدادوا، وإذا أساءوا استغفروا، اللهم لا تحقق عليّ العذاب، ولا تقطع بي الأسباب، واحفظني في كل ما تحيط به شفقتي، ويأتي من ورائه سبحتي‏ ، وتعجز عنه قوّتي، أدعوك دعاء ضعيف عمله، متظاهرة ذنوبه، ضنين على نفسه، دعاء من بدنه ضعيف، ومنّته عاجزة؛ قد انتهت عدّته، وخلقت جدته، وتم ظمؤه؛ لا تخيبني وأنا أرجوك، ولا تعذبني وأنا أدعوك، والحمد للّه على طول النسيئة، وحسن التباعة، وتشنج العروق، وإساغة الريق، وتأخر الشدائد؛ والحمد للّه على حلمه بعد علمه، وعلى عفوه بعد قدرته؛ والحمد للّه الذي لا يودى قتيله، ولا يخيب سوله، ولا يردّ رسوله. اللهم إني أعوذ بك من الفقر إلا إليك، ومن الذل إلا لك؛ و أعوذ بك أن أقول زورا، أو أغشى فجورا، أو أكون بك مغرورا؛ وأعوذ بك من شماتة الأعداء، وعضال‏ الداء، وخيبة الرجاء، وزوال النعمة، وفجاءة النقمة.

دعا أعرابي و هو يطوف بالكعبة فقال: إلهي، من أولى بالتقصير و الزلل مني و أنت خلقتني، و من أولى بالعفو منك عني و علمك بي ماض، و قضاؤك بي محيط؛ أطعتك بقوتك و المنة لك، و عصيتك بعلمك، فأسألك يا إلهي بوجوب رحمتك، و انقطاع حجّتي، و افتقاري إليك، و غناك عني-أن تغفر لي و ترحمني، إلهي لم أحسن حتى أعطيتني. فتجاوز عن الذنوب التي كتبت عليّ، اللهم إنا أطعناك في أحب الأشياء إليك: شهادة أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، و لم نعصك في أبغض الأشياء إليك: الشرك بك؛ فاغفر لي ما بين ذلك؛ اللهم إنك آنس المؤنسين لأوليائك، و أحضرهم للمتوكلين عليك. إلهي أنت شاهدهم و غائبهم، و المطلع على ضمائرهم، و سرّي لك مكشوف، و أنا إليك ملهوف؛ إذا أوحشتني الغربة، آنسني ذكرك؛ و إذا أكبت عليّ الغموم، لجأت إلى الاستجارة بك؛ علما بأن أزمة (2) الأمور كلها بيدك، و مصدرها عن قضائك، فأقللني إليك مغفورا لي، معصوما بطاعتك باقي عمري، يا أرحم الراحمين.
الأصمعي قال: حججت فرأيت أعرابيا يطوف بالكعبة و يقول: يا خير موفود سعى إليه الوفد، قد ضعفت قوّتي، و ذهبت منتي، و أتيت إليك بذنوب لا تغسلها الأنهار و لا تحملها البحار؛ أستجير برضاك من سخطك، و بعفوك من عقوبتك، ثم
____________

(1) عضال: شديد.

(2) أزمة: مفردها زمام، و زمام الأمر ملاكه.

العقد الفريد 6

التفت فقال: أيها المشفقون، ارحموا من شملته الخطايا، و غمرته البلايا، ارحموا من قطع البلاد، و خلف ما ملك من التلاد (1) ؛ ارحموا من و بخته الذنوب، و ظهرت منه العيوب؛ ارحموا أسير ضرّ، و طريد فقر. أسألكم بالذي أعملتكم الرغبة إليه، إلا ما سألتم اللّه أن يهب لي عظيم جرمي. ثم وضع في حلقة الباب خدّه و قال: ضرع خدّي لك، و ذل مقامي بين يديك، ثم أنشأ يقول:
عظيم الذنب مكروب # من الخيرات مسلوب

و قد أصبحت ذا فقر # و ما عندك مطلوب‏

العتبي قال: سمعت أعرابيا بعرفات عشية عرفة و هو يقول: اللهم إن هذه عشية من عشايا محبتك، و أحد أيام زلفتك، يأمل فيها من لجأ إليك من خلقك، أن لا يشرك بك شيئا بكل لسان فيها يدعى، و لكل خير فيها يرجى؛ أتتك العصاة من البلد السحيق، ودعتك العناة من شعب المضيق؛ رجاء ما لا خلف له من وعدك، و لا انقطاع له من جزيل عطائك؛ أبدت لك وجوهها المصونة، صابرة على وهج السمائم‏ (2) ، و برد الليالي، ترجو بذلك رضوانك؛ يا غفار، يا مستزادا من نعمه، و مستعاذا من نقمه، ارحم صوت حزين دعاك بزفير و شهيق. ثم بسط كلتا يديه إلى السماء، و قال: اللهم إن كنت بسطت يدي إليك راغبا، فطالما كفيتنيه؛ ساهيا بنعمتك التي تظاهرت عليّ عند الغفلة، فلا أيأس منها عند التوبة: و لا تقطع رجائي منك لما قدمت من اقتراف، وهب لي الإصلاح في الولد، و الأمن في البلد، و العافية في الجسد، إنك سميع مجيب.
و دعا أعرابي فقال: يا عماد من لا عماد له، و يا ركن من لا ركن له، و يا مجير الضعفاء، و يا منقذ الهلكى، و يا عظيم الرجاء، أنت الذي سبح لك سواد الليل و بياض النهار، وضوء القمر و شعاع الشمس، و حفيف الشجر و دوي الماء؛ يا محسن، يا مجمل، يا مفضل، لا أسألك الخير بخير هو عندك، و لكني أسألك برحمتك، فاجعل العافية لي
____________

(1) التلاد: المال الأصلي القديم.

(2) السمائم: جمع سموم، و هي الريح الحارة.

7 الجزء الرابع‏

شعارا و دثارا (1) ، و جنّة دون كل بلاء.
الأصمعي قال: خرجت أعرابية إلى منى فقطع بها الطريق، فقالت: يا رب، أخذت و أعطيت و أنعمت و سلبت، و كل ذلك منك عدل و فضل، و الذي عظّم على الخلائق أمرك؛ لا بسطت لساني بمسألة أحد غيرك، و لا بذلت رغبتي إلا إليك يا قرة أعين السائلين، أغنني بجود منك أتبحبح في فراديس نعمته، و أتقلب في رواق نضرته، احملني من الرجلة (2) ، و أغنني من العيلة، و أسدل عليّ سترك الذي لا تخرقه الرماح، و لا تزيله الرياح، إنك سميع الدعاء.
قال: و سمعت أعرابيا في فلاة من الأرض و هو يقول في دعائه: اللهم إن استغفاري إياك مع كثرة ذنوبي للؤم، و إن تركي الاستغفار مع معرفتي بسعة رحمتك لعجز! إلهي كم تحببت إليّ بنعمتك و أنت غنيّ عني، و كم أتبغّض إليك بذنوبي و أنا فقير إليك!سبحان من إذا توعد عفا، و إذا وعد وفى.
قال: و سمعت أعرابيا يقول في دعائه: اللهم إن ذنوبي إليك لا تضرّك، و إن رحمتك إياي لا تنقصك؛ فاغفر لي مالا يضرك، وهب لي مالا ينقصك.
قال: و سمعت أعرابيا و هو يقول في دعائه: اللهم إني أسألك عمل الخائفين، و خوف العاملين، حتى أتنعم بترك النعم طمعا فيما وعدت، و خوفا مما أوعدت اللهم أعذني من سطواتك؛ و أجرني من نقماتك؛ سبقت لي ذنوب و أنت تغفر لمن يتوب؛ إليك بك أتوسل، و منك إليك أفرّ.
قال: و سمعت أعرابيا يقول: اللهم إن أقواما آمنوا بك بألسنتهم ليحقنوا دماءهم فأدركوا ما أمّلوا، و قد آمنا بك بقلوبنا لتجيرنا من عذابك فأدرك منا ما أمّلناه.
قال: و رأيت أعرابيا متعلقا بأستار الكعبة رافعا يديه إلى السماء و هو يقول رب،
____________

(1) الدثار: الثوب الذي يكون فوق الشّعار، و الشعار ما ولي جسد الانسان دون ما سواه من الثياب‏

(2) الرّجلة: المشي راجلا.

العقد الفريد 8

أتراك معذبنا و توحيدك في قلوبنا، و ما إخالك تفعل!و لئن فعلت لتجمعنّا مع قوم طالما أبغضناهم لك.
الأصمعي قال: سمعت أعرابيا يقول في صلاته: الحمد للّه حمدا لا يبلى جديده و لا يحصى عديده، و لا يبلغ حدوده؛ اللهم اجعل الموت خير غائب ننتظره، و اجعل القبر خير بيت نعمره، و اجعل ما بعده خيرا لنا منه؛ اللهم إن عينيّ قد اغرورقتا دموعا من خشيتك؛ فاغفر الزلة، و عد بحلمك على جهل من لم يرج غيرك.
الأصمعي قال: وقف أعرابي في بعض المواسم فقال: اللهم إن لك عليّ حقوقا فتصدّق بها عليّ، و للناس قبلي تباعات فتحملها عني؛ و قد وجب لكل ضيف قرى‏ (1) ، و أنا ضيفك الليلة، فاجعل قراي فيها الجنة.
قال: و رأيت أعرابيا أخذ بحلقتي باب الكعبة و هو يقول: سائلك عبد بابك ذهبت أيامه، و بقيت آثامه، و انقطعت شهوته، و بقيت تباعته فارض عنه، و إن لم ترض عنه فاعف عنه غير راض.
قال: و دعا أعرابي عند الكعبة، فقال: اللهم إنه لا شرف إلا بفعال، و لا فعال إلا بمال؛ فأعطني ما أستعين به على شرف الدنيا و الآخرة.
قال زيد بن عمر: سمعت طاوسا يقول: بينا أنا بمكة إذا دفعت إلى الحجاج بن يوسف، فثني لي وسادا فجلست، فبينا نحن نتحدث إذ سمعت صوت أعرابي في الوادي رافعا صوته بالتلبية، فقال الحجاج: عليّ بالملبّي. فأتي به، فقال: من الرجل؟ قال: من أفناء (2) الناس. قال: ليس عن هذا سألتك. قال: فعمّ سألتني؟قال: من أي البلدان أنت؟قال: من أهل اليمن. قال له الحجاج: فكيف خلفت محمد بن يوسف؟ يعني أخاه، و كان عامله على اليمن؛ قال: خلفته عظيما جسيما خرّاجا ولاّجا. قال:
ليس عن هذا سألتك. قال: فعمّ سألتني؟قال: كيف خلّفت سيرته في الناس؟قال:
____________

(1) القرى: ما يقدم إلى الضيف.

(2) أفناء الناس: أخلاطهم.

9 الجزء الرابع‏

خلفته ظلوما غشوما عاصيا للخالق مطيعا للمخلوق!فازورّ (1) من ذلك الحجاج، و قال: ما أقدمك على هذا و قد تعلم مكانته مني؟فقال له الأعرابي أ فتراه بمكانته منك أعزّ مني بمكانتي من اللّه تبارك و تعالى، و أنا وافد بيته، و قاضي دينه، و مصدّق نبيه صلّى اللّه عليه و سلم!قال: فوجم لها الحجاج و لم يجر له جوابا، حتى خرج الرجل بلا إذن. قال طاوس: فتبعته حتى أتى الملتزم فتعلق بأستار الكعبة، فقال: بك أعوذ، و إليك ألوذ، فاجعل لي في اللهف إلى جوارك و الرضا بضمانك مندوحة عن منع الباخلين، و غنى عما في أيد المستأثرين؛ اللهم عد بفرجك القريب، و معروفك القديم، و عادتك الحسنة.
قال طاوس: ثم اختفى في الناس فألفيته بعرفات قائما على قدميه و هو يقول: اللهم إن كنت لم تقبل حجّي و نصبي و تعبي فلا تحرمني أجر المصاب على مصيبته فلا أعلم مصيبة أعظم ممن ورد حوضك و انصرف محروما من وجه رحمتك.
الأصمعي قال: رأيت أعرابيا يطوف بالكعبة و هو يقول: إلهي عجّت‏ (2) إليك الأصوات بضروب من اللغات يسألونك الحاجات، و حاجتي إليك إلهي أن تذكرني على طول البلاء إذا نسيني أهل الدنيا. اللهم هب لي حقك، و أرض عني خلقك، اللهم لا تعيني بطلب ما لم تقدّره لي، و ما قدرته لي فيسّره لي.
قال: ودعت أعرابية لابن لها وجهته إلى حاجة، فقالت: كان اللّه صاحبك في أمرك، و خليفتك في أهلك، و وليّ نجح‏ (3) طلبتك. امض مصاحبا مكلوءا، لا أشمت اللّه بك عدوّا، و لا أرى محبيك فيك سوءا.
قال: و مات ابن لأعرابي فقال: اللهم إني وهبت له ما قصر فيه من بري، فهب له ما قصّر فيه من طاعتك، فانك فإنك أجود و أكرم.
____________

(1) ازور: مال و انحرف.

(2) عجّت إليك الأصوات أي رفعت إليك.

(3) النّجح: النجاح. 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire