vendredi 21 avril 2017

غزوة العقاب

غَزْوَة الْعقَاب الَّتِي محص الله فِيهَا الْمُسلمين

ثمَّ اتَّصَلت الْأَخْبَار بالناصر وَهُوَ بمراكش أَن الفنش لَعنه الله قد استطال على ثغور الْمُسلمين بالأندلس وَأَنه يُغير على قراها وينهب الْأَمْوَال وَيَسْبِي النِّسَاء والذرية فأهمه ذَلِك وأقلقه وَكتب إِلَى الشَّيْخ أبي مُحَمَّد عبد الْوَاحِد بن أبي حَفْص صَاحب إفريقية يستشيره فِي الْغَزْو فَأبى عَلَيْهِ فخالفه وَأخذ فِي الْحَرَكَة للْجِهَاد
وَكَانَ النَّاصِر معجبا بِرَأْيهِ مستبدا بأموره فَفرق الْأَمْوَال على القواد والأجناد وَكتب إِلَى جَمِيع بِلَاد إفريقية وَالْمغْرب وبلاد الْقبْلَة يستنفر الْمُسلمين لغزو الْكفَّار فَأَجَابَهُ خلق كثير وألزم كل قَبيلَة من قبائل الْعَرَب بِحِصَّة من الْخَيل وَالرجل تخرج للْجِهَاد فتقدمت عَلَيْهِ الجيوش من سَائِر الأقطار وتسارع النَّاس إِلَيْهِ خفافا وثقالا من الْبَوَادِي والأمصار
فَلَمَّا تكاملت لَدَيْهِ الحشود وتوافت بِحَضْرَتِهِ الْجنُود خرج من مراكش فِي تَاسِع عشر شعْبَان سنة سبع وسِتمِائَة فَانْتهى إِلَى قصر الْمجَاز فَأَقَامَ بِهِ وَشرع فِي إجَازَة الجيوش من أَوَائِل شَوَّال إِلَى أَوَاخِر ذِي الْقعدَة من السّنة الْمَذْكُورَة فَتَلقاهُ هُنَالك قواد الأندلس وفقهاؤها ورؤساؤها وَأقَام بطريف ثَلَاثًا ثمَّ نَهَضَ إِلَى إشبيلية فِي أُمَم لَا تحصى وجيوش لَا تستقصى قد مَلَأت السهل والوعر
حكى بعض الثِّقَات من مؤرخي الْمغرب أَنه اجْتمع مَعَ النَّاصِر فِي هَذِه الْغَزْوَة من أهل الْمغرب والأندلس سِتّمائَة ألف مقَاتل وَكَانَ النَّاصِر رَحمَه الله قد أعجبه مَا رأى من كَثْرَة جُنُوده وأيقن بالظفر فقسم النَّاس على خمس فرق فَجعل الْعَرَب فرقة وزناتة وصنهاجة والمصامدة وغمارة وَسَائِر أَصْنَاف قبائل الْمغرب فرقة وَجعل المتطوعة فرقة وَجعل جند الأندلس فرقة والموحدين فرقة وَأمر كل فرقة أَن تنزل نَاحيَة واهتزت جَمِيع بِلَاد الفرنج لجوازه وَتمكن رعبه فِي قُلُوبهم فَأخذُوا فِي تحصين بِلَادهمْ وإخلاء مَا قرب من الْمُسلمين من قراهم وحصونهم وَكتب إِلَيْهِ أَكثر أمرائهم يسألونه السّلم وَيطْلبُونَ مِنْهُ الْعَفو ووفد عَلَيْهِ مِنْهُم ملك ينبلونة مستسلما خاضعا طَالبا للصلح فَيُقَال إِنَّه قدم بَين يَدَيْهِ كتاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذِي كتبه إِلَى هِرقل ملك الرّوم يستشفع بِهِ وَقد كَانَ هَذَا الْكتاب وَقع إِلَيْهِ وراثة من بعض سلفه فاحتفل النَّاصِر لقدومه وصف لَهُ الجيوش من بَاب مَدِينَة قرمونة إِلَى بَاب إشبيلية أَرْبَعِينَ ميلًا ثمَّ عقد لَهُ الصُّلْح مَا دَامَت دولة الْمُوَحِّدين وَصَرفه إِلَى بِلَاده مكرما مسعفا بِجَمِيعِ مطالبه
وَعند ابْن خلدون أَن الَّذِي وَفد على النَّاصِر فِي هَذِه الْغَزْوَة هُوَ البيبوج أحد الْمُلُوك الثَّلَاثَة الَّذين شهدُوا وقْعَة الْأَرَاك قَالَ وَهُوَ الَّذِي مكر بالناصر يَوْم الْعقَاب قدم عَلَيْهِ وَأظْهر لَهُ التنصح وبذل لَهُ أَمْوَالًا ثمَّ غدر بِهِ وجر عَلَيْهِ الْهَزِيمَة وَالله أعلم
ثمَّ خرج النَّاصِر من إشبيلية غازيا بِلَاد قشتالة فِي أَوَائِل صفر سنة ثَمَان وسِتمِائَة فَسَار حَتَّى نزل حصن سلبطرة وَهُوَ حصن منيع وضع على قمة جبل وَقد تعلق بِأَكْنَافِ السَّحَاب لَيْسَ لَهُ مَسْلَك إِلَّا من طَرِيق وَاحِد فِي مضائق وأوعار فَنزل عَلَيْهِ لناصر وأدار بِهِ الجيوش وَنصب عَلَيْهِ أَرْبَعِينَ منجنيقا فهتك أرباضه وَلم يقدر مِنْهُ على شَيْء
قَالُوا وَكَانَ وزيره أَبُو سعيد بن جَامع قد تمكن من النَّاصِر فأقصى شُيُوخ الْمُوَحِّدين وأعيانهم وَذَوي الحنكة والرأي مِنْهُم عَن بساطه وَانْفَرَدَ هُوَ بِهِ فَكَانَ يُشِير على النَّاصِر فِي غزوته هَذِه بآراء كَانَت سَبَب الضعْف والوهن وجلبت الكرة على الْمُسلمين من ذَلِك أَن النَّاصِر لما أعياه أَمر الْحصن عزم على النهوض عَنهُ إِلَى غَيره فَأَشَارَ عَلَيْهِ ابْن جَامع بِأَن لَا يتجاوزه حَتَّى يَفْتَحهُ فَيُقَال إِنَّه أَقَامَ على ذَلِك الْحصن ثَمَانِيَة اشهر فنيت فِيهَا أزواد النَّاس وَقلت علوفاتهم وكلت عزائمهم وفسدت نياتهم وانقطعت الأمداد عَن الْمحلة فغلت بهَا الأسعار وَدخل فصل الشتَاء فَاشْتَدَّ الْبرد وَأصَاب الْمُسلمين كل ضرّ وَيُقَال إِنَّه من طول مقَام النَّاصِر على ذَلِك الْحصن عشش الخطاف فِي جَانب خبائه وباض وأفرخ وطارت فِرَاخه وَهُوَ مُقيم على حَاله
واتصل بالفنش لَعنه الله مَا آل إِلَيْهِ أَمر الْمُسلمين من الضجر وَقلة الْمَادَّة وتشوش البواطن وَاخْتِلَاف الرَّأْي فاغتنم الفرصة وَبعث الحاشرين فِي مدائنه ودعا كل من قدر على حمل السِّلَاح من رَعيته فَاجْتمع لَهُ من ذَلِك مَا لَا حصر لَهُ
ثمَّ خَالف النَّاصِر إِلَى قلعة ريَاح فنازلها وَبهَا يَوْمئِذٍ أَبُو الْحجَّاج يُوسُف بن قادس من قواد الأندلس وزعمائها كَانَ قد ترَتّب فِي ذَلِك الْحصن فِي جمَاعَة من الْخَيل لحمايته وَضَبطه فحاصره الفنش وَبَالغ فِي التَّضْيِيق عَلَيْهِ فَكَانَ ابْن قادس يكْتب لأمير الْمُؤمنِينَ النَّاصِر يُعلمهُ بِحَالهِ ويستمده على عدوه وَهُوَ على حصن سلبطرة فَكَانَ الْوَزير ابْن جَامع إِذا وصلت إِلَيْهِ كتب ابْن قادس أخفاها عَن النَّاصِر لِئَلَّا يرحل عَن الْحصن قبل فَتحه فَلَمَّا طَال الْحصار على ابْن قادس وفنى مَا عِنْده من الأقوات وَالسِّلَاح ويئس من إمداد النَّاصِر إِيَّاه وخشي على من فِي الْحصن من النِّسَاء والذرية صَالح الفنش على تَسْلِيم الْحصن لَهُ وَخُرُوج الْمُسلمين آمِنين على أنفسهم فَفعل وَاسْتولى الفنش على قلعة رَبَاح
وَسَار ابْن قادس إِلَى النَّاصِر ليجتمع بِهِ ويعلمه بِالْأَمر على وَجهه وَسَار مَعَه صهر لَهُ بعد أَن عزم ابْن قادس عَلَيْهِ أَن يرجع فَأبى وَقَالَ إِن قتلت قتلت مَعَك وَلما وصل إِلَى الْوَزير ابْن جَامع أَمر بحبسه وَحبس صهره مَعَه ثمَّ دخل على النَّاصِر فَقَالَ لَهُ إِن ابْن قادس قد دفع الْحصن إِلَى الْعَدو ثمَّ قدم عَلَيْك وَأَرَادَ الدُّخُول عَلَيْك
وَكَانَ النَّاصِر قد تغير بَاطِنه على أهل الأندلس واتهمهم بكتمان أَمر الْعَدو عَنهُ حِين كَانَ بمراكش فَلَمَّا قدم ابْن قادس فِي هَذِه الْمرة وَقَالَ لَهُ ابْن جَامع مَا قَالَ أَمر بقتْله هُوَ وصهره قطعا بِالرِّمَاحِ رحمهمَا الله
فحقدت جيوش الأندلس على ابْن جَامع وفسدت نياتهم على النَّاصِر وأحس ابْن جَامع بذلك فَأمر بإحضار قوادهم فَحَضَرُوا بَين يَدَيْهِ فَقَالَ اعتزلوا جَيش الْمُوَحِّدين فَلَا حَاجَة لنا بكم كَمَا قَالَ الله تَعَالَى {لَو خَرجُوا فِيكُم مَا زادوكم إِلَّا خبالا} وسننظر بعد هَذَا فِي أَمر كل فَاجر
وَلما علم النَّاصِر بِحَال الفنش وَمَا هُوَ عَلَيْهِ من الْقُوَّة وَكَثْرَة الجموع واستيلائه على قلعة ريَاح الَّتِي هِيَ أمنع ثغور الْمُسلمين شقّ ذَلِك عَلَيْهِ وَامْتنع من الطَّعَام وَالشرَاب حَتَّى مرض من شدَّة الوجد ثمَّ شدد فِي قتال سلبطرة وبذل الْأَمْوَال الجليلة حَتَّى فتحهَا صلحا وَذَلِكَ فِي أَوَاخِر ذِي الْحجَّة من سنة ثَمَان وسِتمِائَة ثمَّ زحف الفنش إِلَى النَّاصِر ونهض النَّاصِر إِلَيْهِ فَالتقى الْجَمْعَانِ بِموضع يعرف بحصن العقبان فَضرب المصاف وَضرب للناصر قُبَّته الْحَمْرَاء الْمعدة لِلْقِتَالِ على رَأس ربوة وَقعد أمامها على درقته وفرسه قَائِم بإزائه ودارت العبيد بالقبة من كل نَاحيَة وَمَعَهُمْ السِّلَاح التَّام ووقفت الساقات والبنود والطبول أَمَام العبيد مَعَ الْوَزير ابْن جَامع وَأَقْبَلت جموع الفرنج على مصافها كَأَنَّهَا الْجَرَاد المنشر فتقدمت إِلَيْهِم المتطوعة وحملوا عَلَيْهِم أَجْمَعُونَ وَكَانُوا مائَة وَسِتِّينَ ألفا فغابوا فِي صفوفهم وانطبقت عَلَيْهِم الفرنج فَاقْتَتلُوا قتالا شَدِيدا فاستشهد المتطوعة عَن آخِرهم هَذَا وعساكر الْمُوَحِّدين وَالْعرب والأندلس ينظرُونَ إِلَيْهِم لم يُحَرك إِلَيْهِم مِنْهُم أحد
وَلما فرغ الفرنج من المتطوعة حملُوا بأجمعهم على عَسَاكِر الْمُوَحِّدين وَالْعرب حَملَة مُنكرَة فَلَمَّا انتشب الْقِتَال بَين الْفَرِيقَيْنِ فرقت قواد الأندلس وجيوشها لما كَانُوا قد حقدوه على ابْن جَامع فِي قتل ابْن قادس أَولا وتهديدهم وطرده لَهُم ثَانِيًا فجروا الْهَزِيمَة على الْمُسلمين وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وتبعهم قبائل البربر والموحدون الْعَرَب وركبتهم الفرنج بِالسَّيْفِ وكشفوهم عَن النَّاصِر حَتَّى انْتَهوا إِلَى الدائرة الَّتِي دارت عَلَيْهِ من العبيد والحشم فألفوها كالبنيان المرصوص لم يقدروا مِنْهَا على شَيْء وَدفع الفرنج بخيلهم المدرعة على رماح العبيد وَهِي مشرعة إِلَيْهِم فَدَخَلُوا فِيهَا والناصر قَاعد على درقته أَمَام خبائه يَقُول صدق الرَّحْمَن وَكذب الشَّيْطَان حَتَّى كَانَت الفرنج تصل إِلَيْهِ وَحَتَّى قتل حوله من عبيد الدائرة نَحْو عشرَة آلَاف ثمَّ أقبل إِلَيْهِ بعض فرسَان الْعَرَب على فرس لَهُ أُنْثَى فَقَالَ لَهُ إِلَى مَتى قعودك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَقد نفذ حكم الله وَتمّ أمره وفنى الْمُسلمُونَ فَعِنْدَ ذَلِك قَامَ النَّاصِر إِلَى جواد لَهُ سَابق كَانَ إِمَامه فَأَرَادَ أَن يركبه فترجل الْعَرَبِيّ عَن فرسه وَقَالَ لَهُ اركب هَذِه الْحرَّة فَإِنَّهَا لَا ترْضى بِعَارٍ فَلَعَلَّ الله ينجيك عَلَيْهَا فَإِن فِي سلامتك الْخَيْر كُله فركبها النَّاصِر وَركب الْعَرَبِيّ جَوَاده وَتقدم أَمَامه فِي كوكبة عَظِيمَة من العبيد مُحِيطَة بهم والفرنج فِي أَعْقَابهم تقتلهم ونادى مُنَادِي الفنش يَوْمئِذٍ أَلا لَا أسر إِلَّا الْقَتْل وَمن أَتَى بأسير قتل هُوَ وأسيره فحكمت سيوف الفرنج فِي الْمُسلمين إِلَى اللَّيْل
وَكَانَت هَذِه الرزية الْعَظِيمَة يَوْم الِاثْنَيْنِ خَامِس عشر صفر سنة تسع وسِتمِائَة فَذَهَبت قُوَّة الْمُسلمين بالمغرب ولأندلس من يَوْمئِذٍ وَلم تنصر لَهُم بعْدهَا راية مَعَ الفرنج إِلَى أَن تدارك الله رَمق الأندلس بالسلطان الْمَنْصُور بِاللَّه يَعْقُوب بن عبد الْحق المريني رَحمَه الله كَمَا سنقص خبر ذَلِك مُسْتَوفى عِنْد الْوُصُول إِلَيْهِ إِن شَاءَ الله
قَالَ ابْن الْخَطِيب لما لحق النَّاصِر بإشبيلية حمل السَّيْف على طَائِفَة كَبِيرَة مِمَّن تَوَجَّهت إِلَيْهِم الظنة وَقَالَ ابْن خلدون ثمَّ رجعت الفرنج إِلَى ألأندلس بعد الكائنة للإغارة على بِلَاد الْمُسلمين فَلَقِيَهُمْ السَّيِّد أَبُو زَكَرِيَّا بن أبي حَفْص بن عبد الْمُؤمن قَرِيبا من إشبيلية فَهَزَمَهُمْ وانتعش الْمُسلمُونَ بهَا واتصلت الْحَال على ذَلِك وَفَاة النَّاصِر رَحمَه الله

قَالَ ابْن أبي زرع لما قدم النَّاصِر إِلَى مراكش منصرفا من وقْعَة الْعقَاب أَخذ الْبيعَة لوَلَده يُوسُف الملقب بالمنتصر فَبَايعهُ كَافَّة الْمُوَحِّدين وخطب لَهُ على جَمِيع مَنَابِر الْمغرب والأندلس فِي الْعشْر الْأَوَاخِر من ذِي الْحجَّة سنة تسع وسِتمِائَة
وَلما تمت لَهُ الْبيعَة دخل النَّاصِر قصره واحتجب فِيهِ عَن النَّاس وانغمس فِي لذاته مصطحبا ومغتبقا إِلَى شعْبَان من سنة عشر وسِتمِائَة فَمَاتَ مسموما بتدبير وزرائه عَلَيْهِ فِي ذَلِك قَالَ وَكَانَت وَفَاته يَوْم الْأَرْبَعَاء الْحَادِي عشر من شعْبَان الْمَذْكُور
وَقَالَ ابْن خلكان تَقول المغاربة إِن النَّاصِر رَحمَه الله كَانَ قد أوصى إِلَى عبيده المشتغلين بحراسة بستانه بمراكش أَن كل من ظهر لَهُم بِاللَّيْلِ فَهُوَ مُبَاح الدَّم لَهُم ثمَّ أَرَادَ أَن يختبر قدر أمره عِنْدهم فتنكد وَجعل يمشي فِي الْبُسْتَان لَيْلًا فعندما رَأَوْهُ جَعَلُوهُ غَرضا لرماحهم فَجعل يَقُول أَنا الْخَلِيفَة أَنا الْخَلِيفَة فَمَا تحققوه حَتَّى فرغوا مِنْهُ وَالله أعلم بِصِحَّة ذَلِك
قلت الصَّحِيح فِي وَفَاة النَّاصِر مَا ذكره الْوَزير ابْن الْخَطِيب فِي رقم الْحلَل قَالَ ثمَّ صرف النَّاصِر وَجهه إِلَى غَزْو الأندلس فِي عزم لم يبلغ إِلَيْهِ ملك قبله وَلما احتل رِبَاط الْفَتْح من سلا نزل بِهِ الْمَوْت فَتوفي لَيْلَة الثُّلَاثَاء عَاشر شعْبَان سنة عشر وسِتمِائَة فانحل الْعَزْم وَتَفَرَّقَتْ الجموع والبقاء لَهُ وَحده الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ يُوسُف الْمُنْتَصر بِاللَّه ابْن النَّاصِر بن الْمَنْصُور رَحمَه الله

لما هلك مُحَمَّد النَّاصِر لدين الله بُويِعَ ابْنه أَبُو يَعْقُوب يُوسُف بن مُحَمَّد بن يَعْقُوب الْمَنْصُور وَهُوَ ابْن سِتّ عشرَة سنة ولقب بالمنتصر بِاللَّه وَغلب عَلَيْهِ الْوَزير أَبُو سعيد بن جَامع ومشيخة الْمُوَحِّدين فَقَامُوا بأَمْره واستبدوا عَلَيْهِ وتأخرت بيعَة الشَّيْخ أبي مُحَمَّد عبد الْوَاحِد بن أبي حَفْص من إفريقية لصِغَر سنّ الْمُنْتَصر ثمَّ وَقعت المحاولة من الْوَزير ابْن جَامع وَصَاحب الأشغال عبد الْعَزِيز بن أبي زيد فوصلت بيعَته حِينَئِذٍ واشتغل الْمُنْتَصر عَن تَدْبِير الْأَمر وَالْجهَاد بِمَا يَقْتَضِيهِ الشَّبَاب
وَعقد للسادات على عمالات ملكه فعقد للسَّيِّد أبي إِبْرَاهِيم إِسْحَاق بن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن ويلقب بِالظَّاهِرِ على فاس وأعمالها وَهُوَ أَخُو الْمَنْصُور ووالد عمر المرتضى الْآتِي ذكره وَعقد لِعَمِّهِ السَّيِّد أبي إِسْحَاق بن الْمَنْصُور على إشبيلية وَمَا اضيف إِلَيْهَا ولعمه أبي عبد الله مُحَمَّد بن الْمَنْصُور على بلنسية وشاطبة وأعمالها ولعمه أبي مُحَمَّد عبد الله بن الْمَنْصُور على مرسية ودانية وأعمالها وَبعث مَعَه الشَّيْخ أَبَا زيد بن يرجان وَكَانَ من أَشْيَاخ الْمُوَحِّدين ودهاتهم
وَفِي دولة الْمُنْتَصر هَذَا فشل أَمر الْمُوَحِّدين وَذَهَبت ريحهم وأشرفت دولتهم على الْهَرم وَاسْتولى الفنش على المعاقل الَّتِي أَخذهَا الْمُسلمُونَ وَهزمَ حامية الأندلس فِي كل جِهَة واستبدت السَّادة بالأطراف والتاثت الْأُمُور بالأندلس وَالْمغْرب أجمع أما الأندلس فبتكالب الْعَدو عَلَيْهَا وفناء حماتها وَأما الْمغرب فبخلاء كثير من قراه وأمصاره من وقْعَة الْعقَاب
ثمَّ ظَهرت بَنو مرين بِجِهَة فاس سنة ثَلَاث عشرَة وسِتمِائَة وَكَانُوا موطنين بصحراء فيجيج وَمَا والاها فاقتحموا الْمغرب فِي هَذِه السنين لخلائه من الحامية واكتسحوا بسائطه بالغارت وانحازت رعاياه إِلَى المعاقل والحصون وَكَثُرت الشكايات بهم إِلَى الْمُنْتَصر وَهُوَ مُقيم بمراكش فَكتب إِلَى السَّيِّد أبي إِبْرَاهِيم صَاحب فاس يَأْمُرهُ بغزوهم فَخرج إِلَيْهِم وَهُوَ بِبِلَاد الرِّيف فأوقعوا بِهِ وقْعَة شنعاء كَانَت باكورة فتحهم وَعَاد السَّيِّد مفلولا إِلَى فاس وَأَصْحَابه عُرَاة بَين يَدَيْهِ يخصفون عَلَيْهِم من ورق النَّبَات الْمَعْرُوف بالمشعلة فسميت السّنة سنة المشعلة وَكَانُوا قد أَسرُّوا السَّيِّد أَبَا إِبْرَاهِيم ثمَّ عرفوه فأطلقوه ثمَّ صمدت بَنو مرين بعْدهَا إِلَى تازا ففلوا حاميتها وعظمت شوكتهم بالمغرب على مَا نذكرهُ بعد أَن شَاءَ الله
وَفِي سنة أَربع عشرَة وسِتمِائَة هزم الْمُسلمُونَ بقصر أبي دانس من الأندلس وَهِي من الهزائم الْكِبَار الَّتِي تقرب من هزيمَة الْعقَاب لِأَن الْعَدو كَانَ قد نزل قصر أبي دانس وحاصره فَخرج إِلَيْهِ جَيش إشبيلية وجيش قرطبة وجيش جيان وحشود بِلَاد غرب الأندلس لاستنقاذ قصر أبي دانس وَكَانَ ذَلِك بِأَمْر الْمُنْتَصر فَسَارُوا يؤمُّونَ الْعَدو فَلم تقع عينهم على عينه إِلَّا وَقد خامر قُلُوب الْمُسلمين الرعب وولوا الأدبار لما كَانَ قد رسخ فِي نُفُوسهم من بأسه يَوْم الْعقَاب فتكالب الْعَدو بعْدهَا على الْمُسلمين وتمرس بهم وَهَان عَلَيْهِ أَمرهم وخشعت نُفُوسهم لَهُ وَلما فروا مِنْهُ فِي هَذِه الخرجة ركبهمْ بِالسَّيْفِ وقتلهم عَن آخِرهم وَرجع الفنش إِلَى قصر أبي دانس فحاصره حَتَّى اقتحمه عنْوَة وَقتل جَمِيع من بِهِ من الْمُسلمين
وَفِي سنة ثَمَان عشرَة وسِتمِائَة توفّي صَاحب إفريقية الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد عبد الْوَاحِد بن أبي حَفْص فَبَايع الموحدون بإفريقية ابْنه ابا زيد عبد الرَّحْمَن فَقَامَ بِالْأَمر وأطفأ النائرة وافاض الْعَطاء ومهد النواحي ورتب الْأُمُور حَتَّى ورد كتاب الْمُنْتَصر من مراكش لثَلَاثَة أشهر من ولَايَته بِتَأْخِيرِهِ وتولية السَّيِّد أبي الْعَلَاء الْأَكْبَر مَكَانَهُ وَهُوَ إِدْرِيس بن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن فَقدم إفريقية فِي ذِي الْقعدَة سنة ثَمَان عشرَة وسِتمِائَة ووالى الهزائم على ابْن غانية الثائر بإفريقية حَتَّى شرد إِلَى الصَّحرَاء وَأَبُو الْعَلَاء هَذَا هُوَ الَّذِي بنى البرجين اللَّذين على بَاب المهدية وحصنها وَهُوَ الَّذِي بنى برج الذَّهَب بإشبيلية أَيَّام ولَايَته عَلَيْهَا فِي دولة أَبِيه وَأقَام أَبُو الْعَلَاء بإفريقية إِلَى أَن توفّي بتونس مِنْهَا فِي شعْبَان سنة عشْرين وسِتمِائَة
وَاسْتولى على إفريقية بعده ابْنه أَبُو زيد بن إِدْرِيس وَسَاءَتْ سيرته فِي النَّاس وَأقَام على ذَلِك إِلَى دولة الْعَادِل عبد الله بن الْمَنْصُور صَاحب مراكش فَعَزله وَولى مَكَانَهُ عبد الله بن عبد الْوَاحِد بن أبي حَفْص
ثمَّ غلب عَلَيْهِ أَخُوهُ أَبُو زَكَرِيَّا يحيى بن عبد الْوَاحِد بن أبي حَفْص وتداول ملك إفريقية بنوه من بعده واستبدوا بهَا واقتطعوها عَن نظر بني عبد الْمُؤمن أَصْحَاب مراكش فَلم تعد إِلَيْهِم بعد
وَأما يُوسُف الْمُنْتَصر فَإِنَّهُ اسْتمرّ مُقيما بمراكش على لذاته إِلَى أَن توفّي وَكَانَ من خبر وَفَاته أَنه كَانَ مُولَعا باتخاذ الْحَيَوَان واستنتاجه فَكَانَ يُؤْتى إِلَيْهِ بأصناف الْبَقر من الأندلس فيرسلها فِي بستانه الْكَبِير من حَضْرَة مراكش وَيحمل بَعْضهَا على بعض للتناسل فَخرج ذَات يَوْم للتطوف على تِلْكَ الْبَقر وَالنَّظَر إِلَيْهَا فتوسط قطيعا مِنْهَا وَقد ركب فنشيا فأنكرته بقرة شرود كَانَت فِي ذَلِك القطيع فطعنته فِي صَدره طعنة أَتَت عَلَيْهِ من حِينه وَذَلِكَ فِي عشي يَوْم السبت الثَّانِي عشرَة من ذِي الْحجَّة سنة عشْرين وسِتمِائَة وَلم يخلف إِلَّا حملا من جَارِيَة لَهُ
قَالَ ابْن خلكان لم يكن فِي بني عبد الْمُؤمن أحسن وَجها من الْمُنْتَصر وَلَا أبلغ فِي المخاطبة إِلَّا أَنه كَانَ مشغوفا براحته فَلم يبرح عَن حَضرته فضعفت الدولة فِي أَيَّامه وَالله تَعَالَى أعلم
الْخَبَر عَن دولة أَمِير الْمُؤمنِينَ عبد الْوَاحِد المخلوع ابْن يُوسُف بن عبد الْمُؤمن رَحمَه الله

لما هلك الْمُنْتَصر فِي التَّارِيخ الْمُتَقَدّم اجْتمع الْوَزير ابْن جَامع والموحدون وَبَايَعُوا للسَّيِّد أبي مُحَمَّد عبد الْوَاحِد بن يُوسُف وَهُوَ أَخُو الْمَنْصُور
قَالَ ابْن أبي زرع بَايعُوهُ على كره مِنْهُ بقبة الْمَنْصُور من قَصَبَة مراكش وَهُوَ يَوْمئِذٍ فِي سنّ الشيخوخة وَكَانَ عَالما فَاضلا متورعا فاستقام لَهُ الْأَمر نَحْو شَهْرَيْن وخطب لَهُ فِي جَمِيع أَعمال الْمُوَحِّدين مَا عدا مرسية فَإِن ابْن أَخِيه السَّيِّد أَبَا مُحَمَّد عبد الله بن الْمَنْصُور الملقب بالعادل كَانَ واليا عَلَيْهَا وَكَانَ وزيره بهَا الشَّيْخ أَبَا زيد بن يرجان الْمَعْرُوف بالأصفر وَكَانَ من دهاة الْمُوَحِّدين وَكَانَ الْمَنْصُور رَحمَه الله إِذا رَآهُ يستعيذ بِاللَّه من شَره وَيَقُول مَاذَا يجْرِي على يَديك من الْفِتَن يَا اصفر وَكَانَ من خَبره أَنه لما بُويِعَ المخلوع أَمر بِإِطْلَاق ابْن يجارن لِأَنَّهُ كَانَ مَحْبُوسًا على مَا عِنْد ابْن خلدون فَأطلق ثمَّ صده ابْن جَامع عَن ذَلِك وأنفذ أَخَاهُ أَبَا إِسْحَاق فِي الأسطول ليغربه إِلَى ميورقة فلاذ ابْن يرجان حِينَئِذٍ بِعَبْد الله بن الْمَنْصُور صَاحب مرسية وَنزل مِنْهُ منزلَة الْوَزير وأغراه بالتوثب على الْأَمر وَشهد لَهُ أَنه سمع من الْمَنْصُور رَحْمَة الله الْعَهْد لَهُ بالخلافة من بعد النَّاصِر وَقَالَ لَهُ فِيمَا قَالَ إِنَّك أَحَق بالخلافة من عبد الْوَاحِد أَنْت ولد الْمَنْصُور وأخو النَّاصِر وَعم الْمُنْتَصر وَلَك الرَّأْي وَحسن السياسة والحزم وَلَو دَعَوْت الْمُوَحِّدين إِلَى بيعتك لم يخْتَلف عَلَيْك اثْنَان
وَكَانَ النَّاس على كره من ابْن جَامع وولاة الأندلس يَوْمئِذٍ كلهم بَنو الْمَنْصُور فأصغى إِلَيْهِ عبد الله هَذَا وَكَانَ مترددا فِي بيعَة عَمه فبرز إِلَى مجْلِس حكمه واستدعى من بمرسية وأعمالها من الْمُوَحِّدين وَالْفُقَهَاء والأشياخ فَدَعَاهُمْ إِلَى بيعَته فَبَايعُوهُ وَتسَمى بالعادل وَكَانَ إخْوَته أَبُو الْعَلَاء الْأَصْغَر صَاحب قرطبة وَأَبُو الْحسن صَاحب غرناطة وَأَبُو مُوسَى صَاحب مالقة فَبَايعُوهُ سرا وَكَانَ أَبُو مُحَمَّد بن أبي عبد الله بن أبي حَفْص بن عبد الْمُؤمن الْمَعْرُوف بالبياسي صَاحب جيان وَقد عَزله المخلوع بِعَمِّهِ أبي الرّبيع بن أبي حَفْص فَانْتقضَ وَبَايع للعادل وزحف مَعَ ابي الْعَلَاء صَاحب قرطبة وَهُوَ أَخُو الْعَادِل إِلَى إشبيلية وَبهَا عبد الْعَزِيز أَخُو الْمَنْصُور والمخلوع فَدخل فِي دعوتهم وَامْتنع السَّيِّد أَبُو زيد بن أبي عبد الله أَخُو البياسي عَن بيعَة الْعَادِل وَتمسك بِطَاعَة المخلوع وَخرج الْعَادِل من مرسية إِلَى إشبيلية فَدَخلَهَا مَعَ أبي زيد بن يرجان وَبلغ الْخَبَر إِلَى مراكش فَاخْتلف الموحدون على المخلوع وَبَادرُوا بعزل ابْن جَامع وتغريبه إِلَى هسكورة لكراهيتهم لَهُ وَجَرت خطوب أفضت إِلَى خلع عبد الْوَاحِد وَقَتله
وَفِي القرطاس أَن عبد الْوَاحِد الْعَادِل كتب إِلَى أَشْيَاخ الْمُوَحِّدين الَّذين بِحَضْرَة مراكش يَدعُوهُم إِلَى بيعَته وخلع عبد الْوَاحِد وَوَعدهمْ على ذَلِك الْأَمْوَال الجزيلة والمنازل الرفيعة والولايات الجليلة فسارعوا إِلَى ذَلِك ودخلوا على عبد الْوَاحِد وتهددوه بِالْقَتْلِ إِلَّا أَن يخلع نَفسه ويبايع للعادل فأجابهم إِلَى ذَلِك فَخَرجُوا عَنهُ ووكلوا بِالْقصرِ من يحفظه وَكَانَ ذَلِك يَوْم السبت الْحَادِي وَالْعِشْرين من شعْبَان سنة إِحْدَى وَعشْرين وسِتمِائَة
فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْأَحَد بعده دخلُوا على عبد الْوَاحِد الْقصر وأحضروا القَاضِي وَالْفُقَهَاء والأشياخ فَأشْهد على نَفسه بِالْخلْعِ وَبَايع للعادل ثمَّ دخلُوا عَلَيْهِ بعد مُضِيّ ثَلَاث عشرَة لَيْلَة من خلعه فخنقوه حَتَّى مَاتَ وانتهبوا قصره واستولوا على أَمْوَاله وحريمه فَكَانَ عبد الْوَاحِد هَذَا أول من خلع وَقتل من بني عبد الْمُؤمن وَصَارَ أَشْيَاخ الْمُوَحِّدين لخلفائهم كالأتراك لبني الْعَبَّاس فَكَانَ فعلهم ذَلِك سَببا لذهاب ملكهم وانقراض دولتهم وَالله تَعَالَى لَا يُغير مَا بِقوم حَتَّى يُغيرُوا مَا بِأَنْفسِهِم وَكَانَت وَفَاة عبد الْوَاحِد المخلوع خَامِس رَمَضَان الْمُعظم سنة إِحْدَى وَعشْرين وسِتمِائَة

الظواهر الطبيعية في التاريخ

وَفِي سنة سبع وَعشْرين وثلاثمائة

 ظهر بِبِلَاد الْمغرب غمام كثيف دَامَ خَمْسَة أَيَّام لم ير النَّاس فِيهَا شمسا وَكَانَ الشَّخْص لَا يرى من الأَرْض فِيهِ إِلَّا مَوضِع قَدَمَيْهِ فَتَابَ النَّاس وأخرجوا الصَّدقَات فكشف الله عَنْهُم مَا بهم وَسميت سنة الْغَمَام

وَفِي سنة تسع وَثَلَاثِينَ وثلاثمائة 


نزل برد عَظِيم الْوَاحِدَة مِنْهُ تزن رطلا وَأكْثر قتل الطير والوحش والبهائم وَكَثِيرًا من النَّاس وَكسر الْأَشْجَار وأفسد الثِّمَار كَانَ ذَلِك بأثر قحط شَدِيد وَغَلَاء عَام

سنة أربع وعشرين وثلاثمائة

وفيها عاثت العرب من بنى نمير وقشير وملكوا ديار ربيعة ومضر وشنّوا الغارات وقطعوا السّبل؛ وخلت المدائن من الأقوات لضعف أمر الخلافة، لأن الخليفة الراضى صار مع ابن رائق كالمحجور عليه والأسير في يده، والأمر كلّه لابن رائق. 

وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعين وثلاثمائة


 نزل أَيْضا برد كثير لم يعْهَد مثله كَثْرَة قتل الْمَوَاشِي وأفسد الثِّمَار وَجَاءَت السُّيُول الْعَظِيمَة بِجَمِيعِ بِلَاد الْمغرب وَكَانَ بهَا رعود قاصفة وبروق خاطفة ودام ذَلِك أَيَّامًا واستسقى النَّاس واستصحوا فِي هَذِه السّنة وفيهَا أَيْضا كَانَت ريح شَدِيدَة هدمت المباني


سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة

[تأخُّر المطر]
واستمرّ تأخُّر الأمطار، واستسقوا مرَّتين وما سُقوا. وكان الّذين خرجوا إلى الاستسقاء عدد قليل. وأجدَبت الأرض، وهلكت المواشي، وتلِفَ أكثر الثمار
[انقضاض كوكب]
وفي جُمَادى الأولى عند تصويب الشّمس للغروب انقضّ كوكب كبير كثير الضّوء
[انقضاض كوكب آخر]
وفي شوّال انقضّ ليلة الإثنين كوكب أضاءت منه الأرض، وارتاع له العالم، وكان في شكل التّرس، ولم يزل يقلّ حتّى اضمحلّ
[هياج ريح عظيمة]
وهاجت ريح عظيمة ثلاثة أيّام احتجبت منها السّماء والشّمس، ورمت تُرابًا أحمر، ورملًا

[أكل الأولاد في الإحساء]
ووصلت الأخبار من الإحساء وتلك النواحي بأنّ الأقوات عدمت.
واضطّرت الأعراب إلى أكل مواشيهم، ثمّ أولادهم، حتّى كان الواحد يعاوض بولده ولدَ غيره لئلا تدركه رِقّة إذا ذبحه

[الوباء الْعَظِيمِ]
وورد الخبر بوباءٍ عظيم بالهند، وغَزْنَة، وأصبهان، وجُرْجان، والّريّ، [ونواحي الجبل، والموصل، وأن ذلك زاد] على مجاري العادة.
وخرج من أصبهان فيه أربعون ألف جنازة .
[ومات في المو] صل بالجدريّ أربعة آلاف صبي .

وفي سنة ثمان وستمائة،

 كانت زلزلة شديدة، هدمت بمصر والقاهرة دورا كثيرة، ومات خلق تحت الهدم.

وَفِي سنة عشر وسِتمِائَة

 كَانَ الوباء الْعَظِيم بالمغرب والأندلس الَّذِي تحيف النَّاس إِلَّا قَلِيلا

وَفِي سنة أَربع وَعشْرين وسِتمِائَة

 اشْتَدَّ الغلاء بالمغرب والأندلس حَتَّى بيع القفيز من الْقَمْح بِخَمْسَة عشرَة دِينَارا وَعم الْجَرَاد بِلَاد الْمغرب

وَفِي سنة سِتّ وَعشْرين وسِتمِائَة

 كَانَ السَّيْل الْعَظِيم بفاس هدم من سورها القبلي نَحْو مسافتين وَهدم من جَامع الأندلس ثَلَاثَة بلاطات وَهدم دورا كَثِيرَة وفنادق مُتعَدِّدَة من عدوة الأندلس

وفي سنة سبع وخمسين وستمائة، 

حصلت بديار مصر زلزلة عظيمة جدًّا.



الوباء العظيم من كتب التاريخ

سنة ست وستين

فيها كان الوباء العظيم بمصر.

سنة سبع وستين ومائة

وفيها كان الوباء العظيم بالعراق.

سنة ثمان عشرة ومائتين

وفيها وقع الوباء العظيم بمصر، فمات أكثرهم، وغلا السِّعر هذه السنة وبعض سنة تسع عشرة.
قال: ولم تبقَ دارٌ ولا قرية إلّا مات أكثر أهلها. ولم يبق بمصر رئيس ولا شريف مشهور. وولّت الدنيا عمّن بقي من أولادهم، وركبهم الذّلّ، وجفاهم السلطان لأنّهم خرجوا غير مرّة وأثاروا الفتنة.
ثم سَرَدَ مَن مات من أشرافهم من أول دولة المأمون إلى آخرها، فسمَّى من كبارهم أبا نصر الوليد بن يعفر بن الصّبّاح بن أبرهة، تُوُفّي سنة سبْعٍ وتسعين ومائة، وإبراهيم بن حوّى تُوُفّي فيها، وإبراهيم بن نافع الطّائيّ، تُوُفّي سنة ثمانٍ وتسعين، وعثمان بن بلادة فيها، وهاشم بن خُدَيْج، ومحمد بن حسّان بن عتاهية سنة تسعٍ وتسعين، وهُبيرة بن هاشم بن خُدَيْج، وزُرْعة بن معاوية سنة مائتين.
ثم سمَّى عددًا كثيرًا لَا نعرفهم كان لهم جاه وحشمة في عصرهم بمصرهم، انْمحت آثارهم وانطوت أخبارهم.
"في أثنائها حدثت "محنة خلق القرآن" وبقيت المحنة إلى أن وُلِّيَ الخلافةَ المتوكّل سنة اثنتين وثلاثين."

سنة ثمان وخمسون ومائتين

وفيها وقع الوباء العظيم بالعراق، ومات خلق لا يحصون. حتى مات غالب عسكر الموفّق؛ فلما وقع ذلك كتر الزّنج على الموفّق وواقعوه ثانيا أشدّ من الأوّل. ثم هزمهم الله ثانيا. وفيها كانت زلازل هائلة سقطت منها المنازل ومات خلق كثير تحت الرّدم. وفيها كانت واقعة ثالثة بين الزّنج والموفّق كانوا فيها متكافئين. 

سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة

وفيها وقع الوباء العظيم بأصبهان وبغداد، وغلت الأسعار
قال حمزة بن الحسن الأصفهاني: وفي سنة ثلاث وعشرين وثلاثمائة في آخرها، وأوّل سنة أربع وعشرين شملت المجاعة للناس وتفاقم الأمر فيها، واقترن بها الموت الذريع، فمات من أهل مدينتي أصبهان أكثر من مائتي ألف إنسان. استقصيت وصف أحداث تلك السنة في كتاب

وَفِي سنة أَربع وَأَرْبَعين وثلاثمائة

 كَانَ الوباء الْعَظِيم بالمغرب والأندلس هلك فِيهِ أَكثر الْخلق

سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة

وورد الخبر بوباءٍ عظيم بالهند، وغَزْنَة، وأصبهان، وجُرْجان، والّريّ، [ونواحي الجبل، والموصل، وأن ذلك زاد] على مجاري العادة.
وخرج من أصبهان فيه أربعون ألف جنازة .
[تأخُّر المطر]
واستمرّ تأخُّر الأمطار، واستسقوا مرَّتين وما سُقوا. وكان الّذين خرجوا إلى الاستسقاء عدد قليل. وأجدَبت الأرض، وهلكت المواشي، وتلِفَ أكثر الثمار
[انقضاض كوكب]
وفي جُمَادى الأولى عند تصويب الشّمس للغروب انقضّ كوكب كبير كثير الضّوء
[انقضاض كوكب آخر]
وفي شوّال انقضّ ليلة الإثنين كوكب أضاءت منه الأرض، وارتاع له العالم، وكان في شكل التّرس، ولم يزل يقلّ حتّى اضمحلّ
[هياج ريح عظيمة]
وهاجت ريح عظيمة ثلاثة أيّام احتجبت منها السّماء والشّمس، ورمت تُرابًا أحمر، ورملًا

[أكل الأولاد في الإحساء]
ووصلت الأخبار من الإحساء وتلك النواحي بأنّ الأقوات عدمت.
واضطّرت الأعراب إلى أكل مواشيهم، ثمّ أولادهم، حتّى كان الواحد يعاوض بولده ولدَ غيره لئلا تدركه رِقّة إذا ذبحه

[ومات في الموصل] بالجدريّ أربعة آلاف صبي .

سنة أربع وخمسين وأربعمائة

ووقع الوباء العظيم بحلب، حتى إنه مات في رجب من هذه السنة زهاء عن أربعة آلاف فضلاً عن سائر الشهور.

وَفِي سنة ثَلَاثِينَ وسِتمِائَة 

كَانَ الغلاء بِبِلَاد الْمغرب وَكثر بهَا الْجُوع والوباء حَتَّى بلغ القفيز من الْقَمْح ثَمَانِينَ دِينَارا وخلت الْأَمْصَار من أَهلهَا

سنة إثنان وثلاثين وستمائة

وفيها كان الوباء العظيم بمصر حيث إنّه مات فى شهر نيّف وثلاثون ألف إنسان.

وَفِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة

 عاود الغلاء والوباء أَرض الْمغرب فَأكل النَّاس بَعضهم بَعْضًا وَكَانَ يدْفن فِي الحفير الْوَاحِد الْمِائَة من النَّاس

سنة ست وخمسين وستمائة

فيها استولى الطاغية هولاكو على بغداد، وقتل الخليفة المستعصم بالله ومعظم أهل بغداد؛ وقد تقدّم ذلك.
وفيها كان الوباء العظيم بدمشق وغيرها.

سنة تسع وأربعين وسبعمائة

كان الوباء العظيم ، وعمّ الدنيا حتى دخل إلى مكّة المشرّفة، ثم عمّ شرق الأرض وغربها، فمات بهذا الطاعون بمصر والشام وغيرهما خلائق لا تحصى.
وَحدث فِي الْخلق الوباء الْعَظِيم الَّذِي عَم الْمشرق وَالْمغْرب فَأَرْجَفَ بِمَوْتِهِ واضطربت الْأَحْوَال بالمغارب الثَّلَاثَة الْأَدْنَى والأوسط والأقصى
[الفناء العظيم بقبرس]
وفيه وصل الخبر بوقوع فناء عظيم بجزيرة قبرس هلك فيه من الخلق ما لا يحصى، وهلك في شهر واحد ثلاثة من ملوكهم .
[الدعاء بالاستسقاء]
وفيه اجتمع القضاة الأربع ، وجماعة من الفقهاء والمشايخ والأمراء وغيرهم بالجامع الحاكمي ، وقرأوا فيه القرآن العظيم ودعوا وتفرّقوا، ثم اجتمعوا ثانيا في عصر ذلك النهار ودعوا للاستسقاء، فأغاث الله تعالى الناس بمطر غزير . ولله الحمد على ذلك.
[ظهور الوباء بمصر]
وفيه ترافعت الأخبار بوقوع الوباء في عامّة أرض مصر ونواحيها، وارتفع السعر وفشت الأمراض بالقاهرة، وخرج السلطان والأمراء إلى سرياقوس، ثم ظهر الوباء وتزايد بعد ذلك حتى كان الوباء العظيم الذي أخرب به النيل بعد ذلك .

[شعبان]
[تزايد الوباء بالقاهرة]
وفي شعبان كان تزايده وفساده بالقاهرة، وكان عدد من يموت في أوائله مائتي إنسان، ثم عمّ وطمّ .

(غريبة)
وفيه وصل محضر من مدينة حلب ثابت / 24 ب / على قاضيها بكائنة غريبة نادرة اتفقت بنواحي تبريز، وهي أنّ عددا كبيرا من الأفاعي ذات خلقة هائلة في طولها وضخامتها اجتمعت وثارت ببعضها البعض بعد أن افترقت فرقتين، واقتتلت يوما كاملا إلى الليل، فافترقوا ثم عادوا  في ثانية وثالثة، كذلك إلى اليوم الرابع، فقويت إحداهما على الأخرى وقتلت منها مقتلة عظيمة، وانهزم  باقيها فلم تدع في هزيمتها شجرا إلاّ اقتلعته، ولا حجرا إلاّ قصمته، ولا حيوانا إلاّ أهلكته، وكان أمرا مهولا ومنظرا شنيعا جدّا، شهد به جماعة ممن حضروه وشاهدوه .

[رمضان]
[صوم السلطان بسرياقوس]
وفي رمضان وقع الاتفاق على أن السلطان يصوم بسرياقوس لكثرة الوباء وفشاؤه  بالقاهرة .
[ازدياد الوباء]
وفيه زاد الوباء بالقاهرة وفزع الناس منه، وأخذ في البداية حتى كان فيه ما سنذكره.
[إحصاء الموتى داخل القاهرة]
وفيه أحصي من مات في شعبان ورمضان بداخل القاهرة خاصّة، وكانوا تسعماية ألف

[ذو القعدة]
[تناقص الوباء]
وفيه - ذي القعدة - قلّ الوباء وتناقص، فصار يموت كبار الناس.
وفيه مات جماعات كثيرة يعسر عدّتهم.

[ذوة الحجّة]
[ارتفاع الطاعون]
[وفي] ذي حجّة ارتفع الطاعون بعد أن جرف جرفا وزحف بجيش الآجال رجفا. / 26 أ / وكان وباء عظيما قلّ أن رؤي مثله في هذه الأزمان القريبة عمّ البلاد جميعها، بل العالم كلّه في سائر الأقاليم. وله حكايات مشهورة، وقضايا مذكورة. وعرف بالوباء العامّ، ولم يدخل ثغر أسوان ولا بغرناطة من بلاد الأندلس ولا بغزّة وحماه، وما علم سلم من شرّه غير هذه البلاد فقط. ويعجب من ذلك. وكان من غرائب النوادر من كونه عمّ جميع أقاليم الأرض إلاّ هذه.
وكان الناس يحرثون فيه (. . . . . .)  وطرقات القاهرة وشوارعها وأسواقها بالموتى، حتى أقفرت منه المنازل.
وقال فيه الشعراء الأشعار، ومن جملة ذلك ما قاله المعمار ، من جملة ما قال:
يا من تمنّى الموت قم واغتنم ... هذا أوان الموت ما فاتا
قد رخص الموت على أهله ... ومات من لا عمره ماتا
وله:
قبّح الطاعون داء ... فقدت فيه الأحبّة
بيعت الأنفس فيه ... كل إنسان بحبّه
[توفّر الإقطاعات والمرتّبات]
وفيه توفّرت الكثير من الأقاطيع والجوامك والمرتّبات بموت أهلها من هذا الوباء العظيم الذي لا يحدّ ولا يضبط المرتبات التي كانت به .
[الفتن والوباء]
وفيها كانت الفتن بساير الأقاليم.
وفيها كان الوباء أيضا بكثير من الأقاليم، وكان عامّا، لكنه كان ابتدأ من بلاد التتار وتلك النواحي حين سنة اثنتين  وأربعين، ولا زال زائدا حتى عمّ الدنيا بأسرها.
وجرت فيه أمور وغرائب وعجائب قد ذكرها عدّة من المؤرّخين يطول الشرح في ذكرها.


سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة

ولقد شاهدت في هذه الأيام أعاجيب منها أنني أدركت الوباء العظيم في سنة ثلاث وثلاثين ثم في سنة أحد ى وأربعين ثم في سنتي سبع وثمان وأربعين ثم في سنة ثلاث وخمسين وكان وباء سنة ثلاث وثلاثين مهولا إلى الغاية بحيث إنه مات فيه في اليوم الواحد من الخلائق ما ينيف على عشرة آلاف نفر ومع ذلك فكنت أجد آذاك بالمقترحات والشوارع جماعة من العامة يضحكون ويهزلون ومنهم من كان يقع فيما قدر عليه هذا مع عظم الوباء بالمفرط وسرعة الموت بخلاف هذه الأيام فكنت لا ترى من الناس إلا باكيا أو متضرعا إلى الله أو مهموما بكثرة عياله ولا ترى جماعة بمكان إلا وكلامهم غالبا في القمح والدقيق والخبز فكا هذا دأب الناس في هذه الأيام.
وفي يوم الجمعة تاسع عشرة خرج القوم أيضاً مرة ثالثة إلى الاستسقاء بالمكان المذكور وفعلوا كفعلهم في المرتين من التضرع والدعاء إلى الله ونودي فيه أيضاً بزيادة إصبع من النقص فلله الحمد

سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة

[غزوة المسلمين في الحبشة]
وفيه كانت غزوة عظيمة ببلاد الحبشة كانت بعث  السلطان شهاب الدين أحمد بن سعد الدين ملك المسلمين أخاه خير الدين لقتال الكفّار من الحبشة فنصره الله تعالى عليهم وفتح من بلاد أمحره عدّة، وأخرب لهم ستّ كنائس. وكان الوباء العظيم قد شنّع بعامّة بلاد الحبشة ومات فيه من المسلمين والكفّار عالم لا يحصى حتى كادت أن تخلو  البلاد، بل خلا الكثير منها.
وكان هلك في هذا الوباء ملك الحبشة الكافر صاحب أمحره الذي يقال له الحطي، ووقع الخلف بعده، ثم اتفقوا على إقامة صغير، فاغتنم فخر الدين الفرصة وغزى هذه الغزوة وعاد مؤيّدا منصورا ومعه من الأموال والسبايا ما لا يحصى، ثم عاد غازيا في شوال أيضا، وكانت له الأيادي في غزوته

وَفِي سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة

 كَانَ الوباء الْعَظِيم بالمغرب هلك فِيهِ جمع من كبار الْعلمَاء والأعيان وَيُسمى هَذَا الوباء عِنْد أهل فاس بوباء عزونة

وَفِي سنة تسعين وَألف 

وَقع الوباء الْعَظِيم بالمغرب فَكَانَ عبيد السُّلْطَان يردون الواردين من الْآفَاق على مكناسة الزَّيْتُون



jeudi 20 avril 2017

عبيد البخاري

وَأما سَبَب تَسْمِيَة هَذَا الْجَيْش بعبيد البُخَارِيّ فَإِن الْمولى إِسْمَاعِيل رَحمَه الله لما جمعهم وظفر بمراده بعصبيتهم وَاسْتغْنى بهم عَن الِانْتِصَار بالقبائل بَعضهم على بعض حمد الله تَعَالَى وَأثْنى عَلَيْهِ وَجمع أعيانهم وأحضر نُسْخَة من صَحِيح البُخَارِيّ وَقَالَ لَهُم أَنا وانتم عبيد لسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وشرعه الْمَجْمُوع فِي هَذَا الْكتاب فَكل مَا أَمر بِهِ نفعله وكل مَا نهى عَنهُ نتركه وَعَلِيهِ نُقَاتِل فعاهدوه على ذَلِك وَأمر بالاحتفاظ بِتِلْكَ النُّسْخَة وَأمرهمْ أَن يحملوها حَال ركوبهم ويقدموها أَمَام حروبهم كتابوت بني إِسْرَائِيل وَمَا زَالَ الْأَمر على ذَلِك إِلَى هَذَا الْعَهْد فَلهَذَا قيل لَهُم عبيد البُخَارِيّ

الأبنية المقاومة للزلازل في المغرب قديما

الأبنية المقاومة للزلازل في المغرب قديما


قَالَ صَاحب الْبُسْتَان وَقد شاهدنا آثَار الأقدمين بالمشرق وَالْمغْرب وبلاد التّرْك وَالروم فَمَا رَأينَا مثل ذَلِك فِي دولهم وَلَا شَاهَدْنَاهُ فِي آثَارهم بل لَو اجْتمعت آثَار دوَل مُلُوك الْإِسْلَام لرجح بهَا مَا بناه السُّلْطَان الْأَعْظَم الْمولى إِسْمَاعِيل رَحمَه الله فِي قلعة مكناسة دَار ملكه وَلم تزل تِلْكَ البناءات على طول الدَّهْر قَائِمَة كالجبال لم تخلفها عواصف الرِّيَاح وَلَا كَثْرَة الأمطار والثلوج وَلَا آفَات الزلازل الَّتِي تخرب المباني الْعِظَام والهياكل الجسام قَالَ وَمن يَوْم مَاتَ الْمولى إِسْمَاعِيل والملوك من بنيه وحفدته يخربون تِلْكَ الْقُصُور على قدر وسعهم وبحسب طاقتهم ويبنون بأنقاضها من خشب وزليج ورخام وَلبن وقرمود ومعدن وَغير ذَلِك إِلَى وقتنا هَذَا وبنيت من أنقاضها مَسَاجِد ومدارس ورباطات بِكُل بلد من بلدان الْمغرب وَمَا أَتَوا على نصفهَا هَذِه مُدَّة من مائَة سنة وَأما الجدرات فَلَا زَالَت ماثلة كالجبال الشوامخ وكل من شَاهد تِلْكَ الْآثَار من سفراء التّرْك وَالروم يعجب من عَظمته وَيَقُول لَيْسَ هَذَا من عمل بني آدم وَلَا يقوم بِهِ مَال اهـ

mardi 18 avril 2017

عين الأصنام


جبل البرانس


قول الأعراب في الذم

قولهم في الذمّ‏


الأصمعي قال: ذكر أعرابي قوما فقال: أولئك سلخت أقفاؤهم بالهجاء، و دبغت وجوههم باللؤم؛ لباسهم في الدنيا الملامة، و زادهم إلى الآخرة الندامة.
قال: و ذكر أعرابي قوما فقال: لهم بيوت تدخل حبوا إلى غير نمارق‏ و لا وسائد، فصح الألسن بردّ السائل؛ جعد الأكف عن النائل.
قال: و سمعت أعرابيا يقول: لقد صغّر فلانا في عيني عظم الدنيا في عينه، و كأنما يرى السائل إذا أتاه، ملك الموت إذا رآه.
و سئل أعرابي عن رجل، فقال: ما ظنكم بسكّير لا يفيق، يتهم الصديق، و يعصى الشفيق، لا يكون في موضع إلا حرمت فيه الصلاة، و لو أفلتت كلمة سوء لم تصر إلا إليه، و لو نزلت لعنة من السماء لم تقع إلا عليه.
و ذكر أعرابي قوما فقال: أقل الناس ذنوبا إلى أعدائهم، و أكثرهم تجرّما على أصدقائهم؛ يصومون عن المعروف، و يفطرون على الفحشاء.
و ذكر أعرابي رجلا فقال: إن فلانا ليعدي بإثمه من تسمّى باسمه، و لئن خيبني فلرب باقية قد ضاعت في طلب رجل كريم.
و ذكر أعرابي رجلا فقال: تغدو إليه مراكب الضلالة فترجع من عنده ببدور الآثام، معدم ما تحب، مثر مما تكره. و صاحب السوء قطعة من النار.

و قال أعرابي لرجل: أنت و اللّه ممن إذا سأل ألحف، و إذا سئل سوّف، و إذا حدّث حلف، و إذا وعد أخلف؛ تنظر نظر حسود، و تعرض إعراض حقود.
و سافر أعرابي إلى رجل فحرّمه، فقال لما سئل عن سفره: ما ربحنا في سفرنا إلا ما قصرنا من صلاتنا؛ فأمّا الذي لقينا من الهواجر، و لقيت منا الأباعر، فعقوبة لنا فيما أفسدنا من حسن ظننا. ثم أنشأ يقول:
رجعنا سالمين كما خرجنا # و ما خابت سريّة سالمينا

لشاعر في الهجاء:


و قال أعرابي:
لمّا رأيتك لا فاجرا # قويّا و لا أنت بالزاهد

و لا أنت بالرجل المتّقي # و لا أنت بالرجل العابد

عرضتك في السّوق سوق الرقيق # و ناديت هل فيك من زائد

على رجل خان ودّ الصديق # كفور بأنعمه جاحد

فما جاءني رجل واحد # يزيد على درهم واحد

سوى رجل زادني دانقا # و لم يك في ذاك بالجاهد 

فبعتك منه بلا شاهد # مخافة ردّك بالشاهد

و أبت إلي منزلي غانما # و حلّ البلاء على الناقد

لبعض الأعراب:


قال: و ذكر أعرابي رجلا، قال: كان إذا رآني قرّب من حاجب حاجبا، فأقول له: لا تقبّح وجهك إلى قبحه، فو اللّه ما أتيتك لطمع راغبا، و لا لخوف راهبا.
و ذكر أعرابي رجلا بذلة فقال: عاش خاملا و مات موتورا.
و ذكر قوما فقال: ألبسوا نعمة ثم عرّوا منها فقال: ما كانت النعمة إلا طيفا لما انتبهوا لها ذهبت عنهم.
و ذم أعرابي رجلا فقال: هو كعبد القنّ‏ يسرك شاهدا و يسوؤك غائبا.
ودعت أعرابية على رجل فقالت: أمكن اللّه منك عدوّا حسودا، و فجع بك صديقا ودودا؛ و سلط عليك همّا يضنيك، و جارا يؤذيك.
و قال أعرابي لرجل شريف البيت دني‏ء الهمة: ما أحوجك أن يكون عرضك لمن يصونه، فتكون فوق ما أنت دونه.
و ذكر أعرابي رجلا فقال: إن حدّثته يسابقك إلى ذلك الحديث، و إن سكتّ عنه أخذ في الترّهات.
و ذكر أعرابي أميرا فقال: يصل النشوة، و يقضي بالعشوة ، و يقبل الرشوة.
و ذكر أعرابي رجلا راكبا هواه، فقال: و اللّه لهو أسرع إلى ما يهواه، من الأسن‏ إلى راكد المياه، أفقره ذلك أو أغناه.
و قال أعرابي: ليت فلانا أقالني من حسن ظني به، فأختم بصواب إذ بدأت بخطإ؛ و لكن من لم تحكمه التجارب أسرع بالمدح إلى من يستوجب الذم، و بالذم إلى من يستوجب المدح.
و قال أعرابي لرجل: هل أنت إلا أنت لم تغير!و لو كنت من كنت حديد وضعت على أتون محمىّ لم تذب.
و سمعت أعرابيا يقول لأخيه: قد كنت نهيتك أن تدنس عرضك بعرض فلان، و أعلمتك أنه سمين المال، مهزول المعروف، من المرزوقين فجأة، قصير عمر الغنى، طويل عمر الفقر.
أقبل أعرابي إلى سوّار فلم يصادف عنده ما أحب، فقال فيه:
رأيت لي رؤيا و عبّرتها # و كنت للأحلام عبّارا

بأنني أخبط في ليلتي # كلبا فكان الكلب سوّارا

و قال أعرابي في ابن عم له يسمى زيادا:
من يبادلني قريبا # ببعيد من أياد؟

من يقادر، من يطافس # من يناذل بزياد

في هجاء ابن سلم:
و قال سعيد بن سلم الباهلي: مدحني أعرابيّ، فاستبطأ الثواب فقال:
لكلّ أخي مدح ثواب يعدّه # و ليس لمدح الباهليّ ثواب

مدحت سعيدا و المديح مهزّة # فكان كصفوان، عليه تراب‏

و قال أيضا:
و إنّ من غاية حرص الفتى # طلابه المعروف في باهله

كبيرهم وغد و مولودهم # تلعنه في قبحه القابله‏

و قال أيضا:
سبكناه و نحسبه لجينا # فأبدى الكير عن خبث الحديد

و قال فيه:
لمّا رآنا فرّ بوّابه # و انسدّ في غير يد بابه

و عنده من مقته حاجب # يحجبه إن غاب حجّابه‏

في هجاء مساور:


دخل أعرابي على المساور بن هند و هو على الريّ، فلم يعطه شيئا؛ فخرج و هو يقول:
أتيت المساور في حاجة # فما زال يسعل حتى ضرط

و حكّ قفاه بكرسوعه # و مسّح عثنونه و امتخط 

فأمسكت عن حاجتي خيفة # لأخرى تقطّع شرج السّفط 

فأقسم لو عدت في حاجتي # للطّخ بالسلح وجه النّمط 

و قال غلطنا حساب الخراج # فقلت من الضّرط جاء الغلط

و كان كلما ركب صاح الصبيان: من الضرط جاء الغلط. حتى هرب من غير عزل إلى بلاد أصبهان.

في رجل قصير:


أبو حاتم عن أبي زيد، قال: أنشدنا أعرابي في رجل قصير:
يكاد خليلي من تقارب شخصه # يعضّ القراد استه و هو قائم‏

في امرأة قبيحة:


و ذكر أعرابي امرأة قبيحة، فقال: ترخي ذيلها على عرقوبي نعامة، و تسدل خمارها على وجه كالجعالة .

لبعض الأعراب:


العتبي قال: سمعت أعرابيا يقول: لا ترك اللّه مخّا في سلامى‏ ناقة حملتني إليك و للدّاعي عليها أحق بالدعاء عليه؛ إذ كلفها المسير إليك.
و قال أعرابي لابن الزبير لا بوركت ناقة حملتني إليك. قال: إنّ و صاحبها. قوله:
إنّ، يريد «نعم» . قال قيس الرقيات:
و تقول شيب قد علا # ك و قد كبرت فقلت إنّه‏

يريد: نعم.
و ذكر أعرابي، رجلا، فقال: لا يؤنس جارا، و لا يؤهل دارا، و لا يثقب‏
نارا.
و سأل أعرابي رجلا فحرمه، فقال له أخوه؛ نزلت و اللّه بواد غير ممطور، و برجل غير مبرور؛ فارتحل بندم، أو أقم بعدم.
و دخلت أعرابية على حمدونة بنت المهدي؛ فلما خرجت سئلت عنها، فقالت: و اللّه لقد رأيتها فما رأيت طائلا؛ كأن بطنها قربة، و كأن ثديها دبّة ، و كأن استها رقعة، و كأن وجهها وجه ديك قد نفش عفريته‏ يقاتل ديكا.
و صاحب أعرابي امرأة فقال لها: و اللّه إنك لمشرفة الأذنين، جاحظة العينين، ذات خلق متضائل، يعجبك الباطل، إن شبعت بطرت، و إن جعت صخبت، و إن رأيت حسنا دفنتيه، و إن رأيت سيئا أذعتيه؛ تكرمين من حقرك، و تحقرين من أكرمك.
و هجا أعرابي امرأته فقال:
يا بكر حوّاء من الأولاد # و أمّ آلاف من العباد

عمرك ممدود إلى التّنادي # فحدّثينا بحديث عاد

و العهد من فرعون ذي الأوتاد # يا أقدم العالم في الميلاد

إني من شخصك في جهاد

في عجوز:


و قال أعرابي في امرأة تزوجها، و قد خطبها شابة طرية و دسّوا إليه عجوزا:
عجوز ترجّي أن تكون فتيّة # و قد نحل الجنبان و احدودب الظّهر

تدسّ إلى العطّار سلعة أهلها # و هل يصلح العطار ما أفسد الدهر 

تزوجتها قبل المحاق بليلة # فكان محاقا كله ذلك الشهر

و ما غرّني إلا خضاب بكفّها # و كحل بعينيها و أثوابها الصّفر

و قال فيها:
و لا تستطيع الكحل من ضيق عينها # فإن عالجته صار فوق المحاجر

و في حاجبيها حزّة كغرارة # فإن حلقا كانا ثلاث غرائر (2)

و ثديان أمّا واحد فهو مزود # و آخر فيه قربة للمسافر (3)

و قال فيها:
لها جسم برغوث و ساقا بعوضة # و وجه كوجه القرد بل هو أقبح

و تبرق عيناها إذا ما رأيتها # و تعبس في وجه الضّجيع و تكلح

لها مضحك كالحشّ تحسب أنها # إذا ضحكت في أوجه القوم تسلح‏ 

و تفتح-لا كانت-فما لو رأيته # توهّمته بابا من النار يفتح

إذا عاين الشيطان صورة وجهها # تعوّذ منها حين يمسي و يصبح‏

و قال أعرابي في سوداء:
كأنها و الكحل في مرودها # تكحل عينيها ببعض جلدها

و قال فيها:
أشبهك المسك و أشبهته # قائمة في لونه قاعدة

لا شكّ إذ لونكما واحد # أنكما من طينة واحده‏

و قال كثيّر في نصيب بن رباح، و كان أسود:
رأيت أبا الحجناء في الناس حائرا # و لون أبي الحجناء لون البهائم

تراه على ما لاحه من سواده # و إن كان مظلوما له وجه ظالم‏ (1)

أعرابي و عامل:


و قال رجل من العمال لأعرابي: ما أحسبك تعرف كم تصلي في كل يوم و ليلة! فقال له: فإن عرفت أ تجعل لي على نفسك مسألة؟قال: نعم. قال:
إنّ الصلاة أربع و أربع # ثم ثلاث بعدهنّ أربع

ثم صلاة الفجر لا تضيّع‏

قال: صدقت، هات مسألتك؟قاله له: كم فقار ظهرك؟قال: لا أدري. قال:
فتحكم بين الناس و تجهل هذا من نفسك؟

قول الأعراب في الدعاء

قول الأعراب في الدعاء


قال عمر بن عبد العزيز رضي اللّه عنه: ما قوم أشبه بالسلف من الأعراب، لولا جفاء فيهم.
و قال غيلان: إذا أردت أن تسمع الدعاء فاسمع دعاء الأعراب.
قال أبو حاتم: أملى علينا أعرابي يقال له مرثد:
اللهم اغفر لي والجلد بارد، والنفس رطبة، واللسان منطلق، والصحف منشورة، والأقلام جارية، والتوبة مقبولة، والأنفس مريحة، والتضرع مرجوّ، قبل أزّ العروق، وحشك‏ النفس، وعلز الصدر، وتزيّل الأوصال، ونصول الشعر، وتحيّف‏ التراب؛ وقبل أن لا أقدر على استغفارك حتى يفنى الأجل، وينقطع العمل. أعنّي على الموت وكربته، وعلى القبر وغمّته، وعلى الميزان وخفّته، وعلى الصراط وزلّته، وعلى يوم القيامة وروعته؛ اغفر لي مغفرة واسعة لا تغادر ذنبا، ولا تدع كربا؛ اغفر لي جميع ما افترضت عليّ ولم أؤدّه إليك؛ اغفر لي جميع ما تبت إليك منه ثم عدت فيه يا رب تظاهرت عليّ منك النعم، وتداركت عندك مني الذنوب؛ فلك الحمد على النعم التي تظاهرت، وأستغفرك الذنوب التي تداركت. أمسيت عن عذابي غنيا، وأصبحت إلى رحمتك فقيرا؛ اللهم إني أسألك نجاح الأمل عند انقطاع الأجل، اللهم أجعل خير عملي ما وليّ أجلي؛ اللهم اجعلني من الذين إذا أعطيتهم شكروا، وإذا ابتليتهم صبروا، وإذا أذكرتهم ذكروا، واجعل لي قلبا توّابا أوّابا، لا فاجرا ولا مرتابا. اجعلني من الذين إذا أحسنوا ازدادوا، وإذا أساءوا استغفروا، اللهم لا تحقق عليّ العذاب، ولا تقطع بي الأسباب، واحفظني في كل ما تحيط به شفقتي، ويأتي من ورائه سبحتي‏ ، وتعجز عنه قوّتي، أدعوك دعاء ضعيف عمله، متظاهرة ذنوبه، ضنين على نفسه، دعاء من بدنه ضعيف، ومنّته عاجزة؛ قد انتهت عدّته، وخلقت جدته، وتم ظمؤه؛ لا تخيبني وأنا أرجوك، ولا تعذبني وأنا أدعوك، والحمد للّه على طول النسيئة، وحسن التباعة، وتشنج العروق، وإساغة الريق، وتأخر الشدائد؛ والحمد للّه على حلمه بعد علمه، وعلى عفوه بعد قدرته؛ والحمد للّه الذي لا يودى قتيله، ولا يخيب سوله، ولا يردّ رسوله. اللهم إني أعوذ بك من الفقر إلا إليك، ومن الذل إلا لك؛ و أعوذ بك أن أقول زورا، أو أغشى فجورا، أو أكون بك مغرورا؛ وأعوذ بك من شماتة الأعداء، وعضال‏ الداء، وخيبة الرجاء، وزوال النعمة، وفجاءة النقمة.

دعا أعرابي و هو يطوف بالكعبة فقال: إلهي، من أولى بالتقصير و الزلل مني و أنت خلقتني، و من أولى بالعفو منك عني و علمك بي ماض، و قضاؤك بي محيط؛ أطعتك بقوتك و المنة لك، و عصيتك بعلمك، فأسألك يا إلهي بوجوب رحمتك، و انقطاع حجّتي، و افتقاري إليك، و غناك عني-أن تغفر لي و ترحمني، إلهي لم أحسن حتى أعطيتني. فتجاوز عن الذنوب التي كتبت عليّ، اللهم إنا أطعناك في أحب الأشياء إليك: شهادة أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، و لم نعصك في أبغض الأشياء إليك: الشرك بك؛ فاغفر لي ما بين ذلك؛ اللهم إنك آنس المؤنسين لأوليائك، و أحضرهم للمتوكلين عليك. إلهي أنت شاهدهم و غائبهم، و المطلع على ضمائرهم، و سرّي لك مكشوف، و أنا إليك ملهوف؛ إذا أوحشتني الغربة، آنسني ذكرك؛ و إذا أكبت عليّ الغموم، لجأت إلى الاستجارة بك؛ علما بأن أزمة (2) الأمور كلها بيدك، و مصدرها عن قضائك، فأقللني إليك مغفورا لي، معصوما بطاعتك باقي عمري، يا أرحم الراحمين.
الأصمعي قال: حججت فرأيت أعرابيا يطوف بالكعبة و يقول: يا خير موفود سعى إليه الوفد، قد ضعفت قوّتي، و ذهبت منتي، و أتيت إليك بذنوب لا تغسلها الأنهار و لا تحملها البحار؛ أستجير برضاك من سخطك، و بعفوك من عقوبتك، ثم
____________

(1) عضال: شديد.

(2) أزمة: مفردها زمام، و زمام الأمر ملاكه.

العقد الفريد 6

التفت فقال: أيها المشفقون، ارحموا من شملته الخطايا، و غمرته البلايا، ارحموا من قطع البلاد، و خلف ما ملك من التلاد (1) ؛ ارحموا من و بخته الذنوب، و ظهرت منه العيوب؛ ارحموا أسير ضرّ، و طريد فقر. أسألكم بالذي أعملتكم الرغبة إليه، إلا ما سألتم اللّه أن يهب لي عظيم جرمي. ثم وضع في حلقة الباب خدّه و قال: ضرع خدّي لك، و ذل مقامي بين يديك، ثم أنشأ يقول:
عظيم الذنب مكروب # من الخيرات مسلوب

و قد أصبحت ذا فقر # و ما عندك مطلوب‏

العتبي قال: سمعت أعرابيا بعرفات عشية عرفة و هو يقول: اللهم إن هذه عشية من عشايا محبتك، و أحد أيام زلفتك، يأمل فيها من لجأ إليك من خلقك، أن لا يشرك بك شيئا بكل لسان فيها يدعى، و لكل خير فيها يرجى؛ أتتك العصاة من البلد السحيق، ودعتك العناة من شعب المضيق؛ رجاء ما لا خلف له من وعدك، و لا انقطاع له من جزيل عطائك؛ أبدت لك وجوهها المصونة، صابرة على وهج السمائم‏ (2) ، و برد الليالي، ترجو بذلك رضوانك؛ يا غفار، يا مستزادا من نعمه، و مستعاذا من نقمه، ارحم صوت حزين دعاك بزفير و شهيق. ثم بسط كلتا يديه إلى السماء، و قال: اللهم إن كنت بسطت يدي إليك راغبا، فطالما كفيتنيه؛ ساهيا بنعمتك التي تظاهرت عليّ عند الغفلة، فلا أيأس منها عند التوبة: و لا تقطع رجائي منك لما قدمت من اقتراف، وهب لي الإصلاح في الولد، و الأمن في البلد، و العافية في الجسد، إنك سميع مجيب.
و دعا أعرابي فقال: يا عماد من لا عماد له، و يا ركن من لا ركن له، و يا مجير الضعفاء، و يا منقذ الهلكى، و يا عظيم الرجاء، أنت الذي سبح لك سواد الليل و بياض النهار، وضوء القمر و شعاع الشمس، و حفيف الشجر و دوي الماء؛ يا محسن، يا مجمل، يا مفضل، لا أسألك الخير بخير هو عندك، و لكني أسألك برحمتك، فاجعل العافية لي
____________

(1) التلاد: المال الأصلي القديم.

(2) السمائم: جمع سموم، و هي الريح الحارة.

7 الجزء الرابع‏

شعارا و دثارا (1) ، و جنّة دون كل بلاء.
الأصمعي قال: خرجت أعرابية إلى منى فقطع بها الطريق، فقالت: يا رب، أخذت و أعطيت و أنعمت و سلبت، و كل ذلك منك عدل و فضل، و الذي عظّم على الخلائق أمرك؛ لا بسطت لساني بمسألة أحد غيرك، و لا بذلت رغبتي إلا إليك يا قرة أعين السائلين، أغنني بجود منك أتبحبح في فراديس نعمته، و أتقلب في رواق نضرته، احملني من الرجلة (2) ، و أغنني من العيلة، و أسدل عليّ سترك الذي لا تخرقه الرماح، و لا تزيله الرياح، إنك سميع الدعاء.
قال: و سمعت أعرابيا في فلاة من الأرض و هو يقول في دعائه: اللهم إن استغفاري إياك مع كثرة ذنوبي للؤم، و إن تركي الاستغفار مع معرفتي بسعة رحمتك لعجز! إلهي كم تحببت إليّ بنعمتك و أنت غنيّ عني، و كم أتبغّض إليك بذنوبي و أنا فقير إليك!سبحان من إذا توعد عفا، و إذا وعد وفى.
قال: و سمعت أعرابيا يقول في دعائه: اللهم إن ذنوبي إليك لا تضرّك، و إن رحمتك إياي لا تنقصك؛ فاغفر لي مالا يضرك، وهب لي مالا ينقصك.
قال: و سمعت أعرابيا و هو يقول في دعائه: اللهم إني أسألك عمل الخائفين، و خوف العاملين، حتى أتنعم بترك النعم طمعا فيما وعدت، و خوفا مما أوعدت اللهم أعذني من سطواتك؛ و أجرني من نقماتك؛ سبقت لي ذنوب و أنت تغفر لمن يتوب؛ إليك بك أتوسل، و منك إليك أفرّ.
قال: و سمعت أعرابيا يقول: اللهم إن أقواما آمنوا بك بألسنتهم ليحقنوا دماءهم فأدركوا ما أمّلوا، و قد آمنا بك بقلوبنا لتجيرنا من عذابك فأدرك منا ما أمّلناه.
قال: و رأيت أعرابيا متعلقا بأستار الكعبة رافعا يديه إلى السماء و هو يقول رب،
____________

(1) الدثار: الثوب الذي يكون فوق الشّعار، و الشعار ما ولي جسد الانسان دون ما سواه من الثياب‏

(2) الرّجلة: المشي راجلا.

العقد الفريد 8

أتراك معذبنا و توحيدك في قلوبنا، و ما إخالك تفعل!و لئن فعلت لتجمعنّا مع قوم طالما أبغضناهم لك.
الأصمعي قال: سمعت أعرابيا يقول في صلاته: الحمد للّه حمدا لا يبلى جديده و لا يحصى عديده، و لا يبلغ حدوده؛ اللهم اجعل الموت خير غائب ننتظره، و اجعل القبر خير بيت نعمره، و اجعل ما بعده خيرا لنا منه؛ اللهم إن عينيّ قد اغرورقتا دموعا من خشيتك؛ فاغفر الزلة، و عد بحلمك على جهل من لم يرج غيرك.
الأصمعي قال: وقف أعرابي في بعض المواسم فقال: اللهم إن لك عليّ حقوقا فتصدّق بها عليّ، و للناس قبلي تباعات فتحملها عني؛ و قد وجب لكل ضيف قرى‏ (1) ، و أنا ضيفك الليلة، فاجعل قراي فيها الجنة.
قال: و رأيت أعرابيا أخذ بحلقتي باب الكعبة و هو يقول: سائلك عبد بابك ذهبت أيامه، و بقيت آثامه، و انقطعت شهوته، و بقيت تباعته فارض عنه، و إن لم ترض عنه فاعف عنه غير راض.
قال: و دعا أعرابي عند الكعبة، فقال: اللهم إنه لا شرف إلا بفعال، و لا فعال إلا بمال؛ فأعطني ما أستعين به على شرف الدنيا و الآخرة.
قال زيد بن عمر: سمعت طاوسا يقول: بينا أنا بمكة إذا دفعت إلى الحجاج بن يوسف، فثني لي وسادا فجلست، فبينا نحن نتحدث إذ سمعت صوت أعرابي في الوادي رافعا صوته بالتلبية، فقال الحجاج: عليّ بالملبّي. فأتي به، فقال: من الرجل؟ قال: من أفناء (2) الناس. قال: ليس عن هذا سألتك. قال: فعمّ سألتني؟قال: من أي البلدان أنت؟قال: من أهل اليمن. قال له الحجاج: فكيف خلفت محمد بن يوسف؟ يعني أخاه، و كان عامله على اليمن؛ قال: خلفته عظيما جسيما خرّاجا ولاّجا. قال:
ليس عن هذا سألتك. قال: فعمّ سألتني؟قال: كيف خلّفت سيرته في الناس؟قال:
____________

(1) القرى: ما يقدم إلى الضيف.

(2) أفناء الناس: أخلاطهم.

9 الجزء الرابع‏

خلفته ظلوما غشوما عاصيا للخالق مطيعا للمخلوق!فازورّ (1) من ذلك الحجاج، و قال: ما أقدمك على هذا و قد تعلم مكانته مني؟فقال له الأعرابي أ فتراه بمكانته منك أعزّ مني بمكانتي من اللّه تبارك و تعالى، و أنا وافد بيته، و قاضي دينه، و مصدّق نبيه صلّى اللّه عليه و سلم!قال: فوجم لها الحجاج و لم يجر له جوابا، حتى خرج الرجل بلا إذن. قال طاوس: فتبعته حتى أتى الملتزم فتعلق بأستار الكعبة، فقال: بك أعوذ، و إليك ألوذ، فاجعل لي في اللهف إلى جوارك و الرضا بضمانك مندوحة عن منع الباخلين، و غنى عما في أيد المستأثرين؛ اللهم عد بفرجك القريب، و معروفك القديم، و عادتك الحسنة.
قال طاوس: ثم اختفى في الناس فألفيته بعرفات قائما على قدميه و هو يقول: اللهم إن كنت لم تقبل حجّي و نصبي و تعبي فلا تحرمني أجر المصاب على مصيبته فلا أعلم مصيبة أعظم ممن ورد حوضك و انصرف محروما من وجه رحمتك.
الأصمعي قال: رأيت أعرابيا يطوف بالكعبة و هو يقول: إلهي عجّت‏ (2) إليك الأصوات بضروب من اللغات يسألونك الحاجات، و حاجتي إليك إلهي أن تذكرني على طول البلاء إذا نسيني أهل الدنيا. اللهم هب لي حقك، و أرض عني خلقك، اللهم لا تعيني بطلب ما لم تقدّره لي، و ما قدرته لي فيسّره لي.
قال: ودعت أعرابية لابن لها وجهته إلى حاجة، فقالت: كان اللّه صاحبك في أمرك، و خليفتك في أهلك، و وليّ نجح‏ (3) طلبتك. امض مصاحبا مكلوءا، لا أشمت اللّه بك عدوّا، و لا أرى محبيك فيك سوءا.
قال: و مات ابن لأعرابي فقال: اللهم إني وهبت له ما قصر فيه من بري، فهب له ما قصّر فيه من طاعتك، فانك فإنك أجود و أكرم.
____________

(1) ازور: مال و انحرف.

(2) عجّت إليك الأصوات أي رفعت إليك.

(3) النّجح: النجاح. 

lundi 17 avril 2017

أبناء الإماء

في الاسلام

قال الأصمعي: وكان أكثر أهل المدينة يكرهون الإماء، حتى نشأ منهم علي بن الحسين، والقاسم بن محمد [بن أبي بكر] ، وسالم بن عبد الله [بن عمر] ؛ ففاقوا أهل المدينة فقها وعلما وورعا؛ فرغب الناس في السراري.
وقال الشاعر:
لا تشتمنّ امرءا في أن تكون له ... أمّ من الرّوم أو سوادء عجماء

فإنما أمّهات القوم أوعية ... مستودعات، وللأحساب آباء
وقال بعضهم: عجبت لمن لبس القصير كيف يلبس الطويل؛ ولمن أحفى شعره كيف أعفاه، وعجبا لمن عرف الإماء كيف يقدم على الحرائر.
وقالوا: الأمة تشترى بالعين وتردّ بالعيب؛ والحرّة غل في عنق من صارت إليه.
وتزوج علي بن الحسين جارية له وأعتقها، فبلغ ذلك عبد الملك، فكتب إليه يؤنّبه، فكتب إليه عليّ: إن الله رفع بالإسلام الخسيسة، وأتم به النقيصة وأكرم به من اللؤم؛ فلا عار على مسلم؛ وهذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد تزوج أمته وامرأة عبده! فقال عبد الملك: إن عليّ بن الحسين يشرف من حيث يتّضع الناس.

في الجاهلية

العرب

الهجين عندهم: الذي أبوه عربي وأمه أعجمية؛ والمذرّع: الذي أمه عربية وأبوه أعجمي
قال حاتم الطائي. 
وما أنكحونا طائعين بناتهم ... ولكن خطبناها بأسيافنا قسرا
فما زادها فينا السّباء مذلّة ... ولا كلّفت خبزا ولا طبخت قدرا
ولكن خلطناها بخير نسائنا ... فجاءت بهم بيضا وجوههم زهرا
وكائن ترى فينا من ابن سبيّة ... إذا لقي الأبطال يطعنهم شزرا
ويأخذ رايات الطّعان بكفّه ... فيوردها بيضا؛ ويصدرها حمرا
أغرّ إذا اغبرّ اللثام رأيته ... إذ ما سرى ليل الدّجى قمرا بدرا

الفرس

وكانت الفرس تطرح الهجين ولا تعدّه، ولو وجدوا أمّا أمة على رأس ثلاثين أما، ما أفلح [ولدها] عندهم ولا كان آزاد، ولا كان بيدهه مزاد. والآزاد عندهم: الحرّ، والمزاد: الريحان.


samedi 15 avril 2017

الثوم والسرطان

 Another meta-analysis found decreased rates of gastric cancer associated with garlic intake, but cited confounding factors as limitations for interpreting these studies.[45] Further meta-analyses found similar results on the incidence of gastric cancer by consuming allium vegetables including garlic.[46][47] A 2014 meta-analysis of observational epidemiological studies found that garlic consumption was associated with a lower risk of stomach cancer in Korean people.[48]
A 2016 meta-analysis found no effect of garlic on colorectal cancer.[49] A 2014 meta-analysis found garlic supplements or allium vegetables to have no effect on colorectal cancers.[50]
A 2013 meta-analysis of case-control and cohort studies found limited evidence for an association between higher garlic consumption and reduced risk of prostate cancer, but the studies were suspected as having publication bias.[51] A 2013 meta-analysis of epidemiological studies found garlic intake to be associated with decreased risk of prostate cancer.[52]

mercredi 12 avril 2017

القبيلة حلف وليست نسبا

مثال: "عكرمة القرشى الهاشمى: أبو عبد الله المدنى مولى ابن عباس، أصله من البربر من أهل المغرب"

lundi 10 avril 2017

أباد الموحدون قبيلة دكالة وأسكنوا العرب ديارهم

ذِكْرُ ظَفَرِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ بِدَكَّالَةَ
فِي سَنَةِ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ سَارَ بَعْضُ الْمُرَابِطِينَ مِنَ الْمُلَثَّمِينَ إِلَى دَكَّالَةَ، فَاجْتَمَعَ إِلَيْهِ قَبَائِلُهَا، وَصَارُوا يُغِيرُونَ عَلَى أَعْمَالِ مُرَّاكِشَ، وَعَبْدُ الْمُؤْمِنِ لَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا كَثُرَ ذَلِكَ مِنْهُمْ سَارَ إِلَيْهِمْ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ، فَلَمَّا سَمِعَتْ دْكَّالَةُ بِذَلِكَ انْحَشَرُوا كُلُّهُمْ إِلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ فِي مِائَتَيْ أَلْفِ رَاجِلٍ وَعِشْرِينَ أَلْفَ فَارِسٍ، وَكَانُوا مَوْصُوفِينَ بِالشَّجَاعَةِ.
وَكَانَ مَعَ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ مِنَ الْجُيُوشِ مَا يَخْرُجُ عَنِ الْحَصْرِ، وَكَانَ الْمَوْضِعُ الَّذِي فِيهِ دَكَّالَةُ كَثِيرَ الْحَجَرِ وَالْحُزُونَةِ، فَكَمَّنُوا فِيهِ كُمَنَاءَ لِيَخْرُجُوا عَلَى عَبْدِ الْمُؤْمِنِ إِذَا سَلَكَهُ، فَمِنَ الِاتِّفَاقِ الْحَسَنِ لَهُ أَنَّهُ قَصَدَهُمْ مِنْ غَيْرِ الْجِهَةِ الَّتِي فِيهَا الْكُمَنَاءُ، فَانْحَلَّ عَلَيْهِمْ مَا قَدَرُوهُ، وَفَارَقُوا ذَلِكَ الْمَوْضِعَ، فَأَخَذَهُمُ السَّيْفُ، فَدَخَلُوا الْبَحْرَ، فَقُتِلَ أَكْثَرُهُمْ، وَغُنِمَتْ إِبِلُهُمْ وَأَغْنَامُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ، وَسُبِيَتْ نِسَاؤُهُمْ وَذَرَارِيُّهُمْ، فَبِيعَتِ الْجَارِيَةُ الْحَسْنَاءُ بِدَارِهِمَ يَسِيرَةٍ، وَعَادَ عَبْدُ الْمُؤْمِنِ إِلَى مُرَّاكِشَ مُظَفَّرًا مَنْصُورًا، وَثَبَتَ مُلْكُهُ، وَخَافَهُ النَّاسُ فِي جَمِيعِ الْمَغْرِبِ، وَأَذْعَنُوا لَهُ بِالطَّاعَةِ.
________________________
الكامل في التاريخ

وراجعت قبائل جشم ورياح من الهلاليّين طاعته ولاذوا بدعوته فنفاهم إلى المغرب الأقصى. وأنزل جشم ببلاد تامسنا [2] ، ورياحا ببلاد الهبط، وأزغار مما يلي سواحل طنجة إلى سلا.
__________________________________
[2] إقليم مغربي قديم كان يمتد من نهرابي رقراق إلى وادي أم الربيع، وقد اندثر اليوم هذا الاسم وبقي ما يذكر به كباب تامسنا بالرباط. والنسبة اليه مسناوي (قبائل المغرب ص 117) .

samedi 8 avril 2017

هل بقي من العرب شيء في جزيرة العرب بحسب ابن خلدون

"لتمهيد قواعد الأمر، وبناء أساسه من أوّل الإسلام والدين والخلافة من بعده، والملك، قبائل من العرب موفورة العدد عزيزة الأحياء. فنصروا الإيمان والملّة، ووطّدوا أكناف الخلافة، وفتحوا الأمصار والأقاليم، وغلبوا عليها الأمم والدول.
أمّا من مضر: فقريش وكنانة وخزاعة وبنو أسد وهذيل وتميم وغطفان وسليم وهو زان، وبطونها من ثقيف وسعد بن بكر وعامر بن صعصعة ومن إليهم من الشعوب والبطون والأفخاذ والعشائر والخلفاء والموالي.
وأما من ربيعة: فبنو ثعلب بن وائل وبنو بكر بن وائل وكافة شعوبهم من بني شكر وبني حنيفة وبني عجل وبني ذهل وبني شيبان وتيم الله. ثم بنو النمر من قاسط، ثم عبد القيس ومن إليهم.
وأمّا من اليمنية ثم من كهلان بن سبإ منهم: فأنصار الله الخزرج والأوس ابنا قيلة من شعوب غسّان وسائر قبال الأزد، ثم همذان وخثعم وبجيلة، ثم مذحج وكافة بطونها من عبس ومراد وزبيد والنّخع والأشعريّين وبني الحرث بن كعب، ثم لحي وبطونها ولخم وبطونها، ثم كندة وملوكها.
وأمّا من حمير بن سبإ فقضاعة وجميع بطونها ومن إلى هذه القبائل والأفخاذ والعشائر والأحلاف.
هؤلاء كلّهم أنفقتهم الدولة الإسلامية العربية، فنبا منهم الثغور والقصيّة، وأكلتهم الأقطار المتباعدة، واستلحمتهم الوقائع المذكورة، فلم يبق منهم حيّ يطرف، ولا حلّة تنجع ولا عشير يعرف، ولا قليل يذكر ولا عاقلة تحمل جناية، ولا عصابة بصريخ إلّا سمع من ذكر أسمائهم في أنساب أعقاب متفرّقين في الأمصار التي ألخموها بجملتهم، فتقطّعوا في البلاد ودخلوا بين الناس فامتهنوا واستهينوا وأصبحوا خولا للأمراء، وريبا للواسد وعالة على الحرب."
"واستفحل ملك الإسلام من بعد ذلك واتسعت دولة العرب، وافترقت قبائل المهاجرين والأنصار في قاصية الثغور بالعراق والشام والأندلس وإفريقية والمغرب حامية ومرابطين، فافترق الحيّ أجمع من أبناء قيلة وافترقت وأقفرت منهم يثرب، ودرسوا فيمن درس من الأمم. وتِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَلَكُمْ ما كَسَبْتُمْ 2: 134 والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين. لا خالق سواه ولا معبود إلّا إياه ولا خير إلّا خيره ولا ربّ غيره، وهو نعم المولى ونعم النصير. ولا حول ولا قوّة إلّا باللَّه العلي العظيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد للَّه رب العالمين."

jeudi 6 avril 2017

البربر أشبه العجم بالعرب

الدين
الاسلام
اللغة
توجد في العالم 480 أسرة لغوية والبربرية والعربية ينتميان لأسرة واحدة وهي الأفروأسيوية

الإثنية


الكتابة

هذه مجمل الكتابات الأبجدية 

نلاحظ في الخريطة خارطة الكتابات حسب الدول مع الإشارة إلى أن التصنيف الأبجدي والألفبائي غير دقيق ففي العربية يعتمد كلاهما:
تيفيناغ القديمة على الترتيب الأبجدي العربي : "أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ"


mercredi 5 avril 2017

العرب في مدينة فاس

قَالَ عبد الْملك الْوراق كَانَت مَدِينَة فاس فِي الْقَدِيم بلدين لكل بلد مِنْهُمَا سور يحيى ط بِهِ وأبواب تخْتَص بِهِ وَالنّهر فاصل بَينهمَا وَسميت إِحْدَى العدوتين عدوة الْقرَوِيين لنزول الْعَرَب الوافدين من القيروان بهَا وَكَانُوا ثَلَاثمِائَة أهل بَيت وَسميت الْأُخْرَى عدوة الأندلس لنزول الْعَرَب الوافدين من الأندلس بهَا وَكَانُوا جما غفيرا يُقَال أَرْبَعَة آلَاف أهل بَيت
وَكَانَ الحكم بن هِشَام الْأمَوِي صَاحب الأندلس صدرت مِنْهُ لأوّل إمارته هَنَات أوجبت قيام جمَاعَة من أهل الْوَرع عَلَيْهِ فيهم يحيى بن يحيى اللَّيْثِيّ صَاحب مَالك وراوي الْمُوَطَّأ عَنهُ وطالوت الْفَقِيه وَغَيرهمَا فخلعوا الحكم وَبَايَعُوا بعض قرَابَته وَكَانُوا بالربض الغربي من قرطبة فَقَاتلهُمْ الحكم وكثروه وكادوا يأْتونَ عَلَيْهِ ثمَّ أظفره الله بهم وَوضع فيهم السَّيْف ثَلَاثَة أَيَّام وَهدم دُورهمْ ومساجدهم وفر الْبَاقُونَ مِنْهُم فَلَحقُوا بفاس الْمغرب الْأَقْصَى وبالإسكندرية من أَرض مصر فَأَما اللاحقون بفاس فأنزلهم إِدْرِيس رَحمَه الله بعدوة الأندلس فأضيفت إِلَيْهِم وَأما اللاحقون بالإسكندية فثاروا بهَا بعد حِين فزحف إِلَيْهِم عبد الله بن طَاهِر الْخُزَاعِيّ صَاحب مصر من قبل الْمَأْمُون بن الرشيد فَقَاتلهُمْ ونفاهم إِلَى جَزِيرَة إقريطش فَلم يزَالُوا بهَا إِلَى أَن ملكهَا الفرنج من أَيْديهم بعد مُدَّة

(يَا فاس جَمِيع الْحسن مسترق ... وساكنوك ليهنهم بِمَا رزقوا)
(هَذَا نسميك أم روح لراحتنا ... وماؤك السلسل الصافي أم الْوَرق)
(أَرض تخللها الْأَنْهَار داخلها ... حَتَّى الْمجَالِس والأسواق والطرق)

lundi 3 avril 2017

دخول العرب إلى المغرب

وشعوبهم لذلك العهد:
4.  زغبة ورياح والأثبج وقرة وكلهم من هلال بن عامر.
وربما ذكر فيهم بنو عدي، ولم نقف على أخبارهم وليس لهم لهذا العهد حيّ معروف، فلعلهم دثروا وتلاشوا وافترقوا في القبائل. وكذلك ذكر فيهم ربيعة، ولم نعرفهم لهذا العهد إلا أن يكونوا هم المعقل كما تراه في نسبهم.
وكان فيهم من غير هلال كثير من فزارة وأشجع من بطون غطفان وجشم بن معاوية بن بكر بن هوازن وسلول بن مرة ابن صعصعة بن معاوية، والمعقل من بطون اليمنية، وعمرة بن أسد بن ربيعة بن نزار، وبني ثور بن معاوية بن عبادة بن ربيعة البكاء بن عامر بن صعصعة، وعدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان. وطرود بطن من فهم بن قيس، إلا أنهم كلهم مندرجون في هلال وفي الأثبج منهم خصوصا، لأن الرئاسة كانت عند دخولهم للأثبج وهلال فأدخلوا فيهم وصاروا مندرجين في جملتهم. وفرقة من هؤلاء الهلاليين لم يكونوا من الذين أجازوا القيل لعهد البازوري أو الجرجاني. وإنما كانوا من قبل ذلك ببرقة أيام الحاكم العبيدي، ولهم فيها أخبار مع الصنهاجيين ببرقة والشيعة بمصر خطوب، ونسبهم إلى عبد مناف بن هلال كما ذكر شاعرهم في قوله:
طلبنا القرب منهم وجزيل منهم ... بلا عيب من عرب سحاح جمودها
__________
ابن خلدون

قبائل عربية لم يبق منهم حي يطرف

لتمهيد قواعد الأمر، وبناء أساسه من أوّل الإسلام والدين والخلافة من بعده، والملك، قبائل من العرب موفورة العدد عزيزة الأحياء. فنصروا الإيمان والملّة، ووطّدوا أكناف الخلافة، وفتحوا الأمصار والأقاليم، وغلبوا عليها الأمم والدول.

أمّا من مضر: فقريش وكنانة وخزاعة وبنو أسد وهذيل وتميم وغطفان وسليم وهو زان، وبطونها من ثقيف وسعد بن بكر وعامر بن صعصعة ومن إليهم من الشعوب والبطون والأفخاذ والعشائر والخلفاء والموالي.

وأما من ربيعة: فبنو ثعلب بن وائل وبنو بكر بن وائل وكافة شعوبهم من بني شكر وبني حنيفة وبني عجل وبني ذهل وبني شيبان وتيم الله. ثم بنو النمر من قاسط، ثم عبد القيس ومن إليهم.

وأمّا من اليمنية ثم من كهلان بن سبإ منهم: فأنصار الله الخزرج والأوس ابنا قيلة من شعوب غسّان وسائر قبال الأزد، ثم همذان وخثعم وبجيلة، ثم مذحج وكافة بطونها من عبس ومراد وزبيد والنّخع والأشعريّين وبني الحرث بن كعب، ثم لحي وبطونها ولخم وبطونها، ثم كندة وملوكها.

وأمّا من حمير بن سبإ فقضاعة وجميع بطونها ومن إلى هذه القبائل والأفخاذ والعشائر والأحلاف.

هؤلاء كلّهم أنفقتهم الدولة الإسلامية العربية، فنبا منهم الثغور والقصيّة، وأكلتهم الأقطار المتباعدة، واستلحمتهم الوقائع المذكورة، فلم يبق منهم حيّ يطرف، ولا حلّة تنجع ولا عشير يعرف، ولا قليل يذكر ولا عاقلة تحمل جناية، ولا عصابة بصريخ إلّا سمع من ذكر أسمائهم في أنساب أعقاب متفرّقين في الأمصار التي ألخموها بجملتهم، فتقطّعوا في البلاد ودخلوا بين الناس فامتهنوا واستهينوا وأصبحوا خولا للأمراء، وريبا للواسد وعالة على الحرب.

dimanche 2 avril 2017

صراع الأسود

ينظم حاكم فاس مسرحا لصراع الأسود في داخل قصبته في ساحة واسعة. و تصف في هذا القاعة عدة صناديق كبيرة يتسع داخل كل صندوق منها لرجل يقف فيه و يتحرك بسهولة. و لكل صندوق باب صغير.
و يجلس في كل صندوق رجل مسلح. و عندئذ يطلق الأسد حرا في الباحة، و يقوم أحد هؤلاء الرجال بفتح باب الصندوق، فيجري الأسد حالا نحوه و عند ما يصل الأسد لمسافة قريبة جدا منه يغلق على نفسه الباب. و يعمل كل واحد من الرجال نفس الشي‏ء على التوالي إلى أن يصبح الأسد بحالة ثوران عنيف. ثم يدخل ثور إلى الساحة و تنشب معركة دامية حينئذ بين الحيوانين. فإذا قتل الثور الأسد فإن المشهد ينتهي عند ذلك في هذا اليوم. و لكن إذا قتل الأسد الثور فحينئذ يخرج الرجال المسلحون من صناديقهم لمبارزة الأسد. و يصل عددهم إلى اثني عشر رجلا يحملون بأيديهم حرابا تنتهي بنصل حديد طوله ذراع و نصف ذراع‏ (256)، و إذا أظهر الرجال تفوقا على الاسد يختصر الملك عددهم.
و إذا أظهر الأسد تفوقا على الرجال عمد الملك و أتباعه إلى قتله براشقات سهامهم و هم يسددون إليه من أعلى شرفاتهم حيث يمكن مشاهدة المنظر و يحدث في أكثر الحالات أن يقتل الأسد أحد المصارعين و يجرح الآخرين قبل أن يموت. و تبلغ الجائزة التي يمنحها الملك عشرة دنانير لكل مبارز فضلا عن كسوة جديدة. و هؤلاء الرجال هم من أهل جبل زلاغ، و هم غاية في الشجاعة، بينما يكون قناصو الأسود في البوادي من أهل جبل زرهون.

مقارنة بين حاضرة البربر وبدوهم

سكان مدن البربر مزايا محمودة

إن الافارقة الذين يسكنون مدن البربر، و لا سيما مدن البحر المتوسط، يجدون متعة كبيرة في التعلم و ينصرفون للدراسة بعناية كبيرة. و من بين هذه الدراسات نذكر العلوم الانسانية و الشرعية الاسلامية التي تحتل المكانة الأولى. و قد اعتادوا في الماضي دراسة الرياضيات و الفلك و الفلسفة. و لكن منذ أربعمائة عام، كما ألمحت الى ذلك سابقا، حظر عليهم علماؤهم و ملوكهم تعلم الكثير من هذه العلوم‏ . و كذلك كان الحال بالنسبة للفلسفة، و كذلك بالنسبة للتنجيم القضائي.
هذا و يتصف سكان أفريقيا أيضا بشدة تقواهم‏ . فهم يطيعون علماءهم و أئمتهم و يهتمون بشكل كبير في معرفة الأمور الضرورية لديانتهم. فهم يذهبون بلا انقطاع لتأدية صلواتهم في مساجدهم، و يتحملون بصبر لا يتصور القيام بفرض الوضوء قبل الصلاة، و يعمدون أحيانا حتى الى غسل جسمهم كله، كما اعتزمت توضيحه في الكتاب الثاني من مؤلفي عن الايمان و الشريعة الاسلامية.
و فضلا عن ذلك فإن سكان مدن بلاد البربر ماهرون، كما يظهر ذلك في نوعية الأشغال المختلفة الطبيعية و التي يتقنونها. و يتمتعون بتربية طيبة جدا و حسن مجاملة للناس. و هم أناس طيبو السريرة قليلو الاتجاه إلى الإساءة. و يظهر الصدق لديهم في القلب و اللسان، رغم أن الوضع كان على خلاف ذلك في القرون الغابرة، كما تؤكد ذلك كتب التاريخ التي كتبها المؤلفون اللاتين‏ ، و هم رجال أولو بأس و شجاعة كبيرة جدا، لا سيما أهل الجبال منهم. و يحترمون العهد قبل كل شي‏ء، و يفضلون ضياع حياتهم عن أن يخلفوا وعدا. و هم غيورون إلى أبعد الحدود، و يحتقرون الحياة مقابل احتمال إهانة حول موضوع نسائهم. و هم يحبون المال حبا جما مثلما يحبون الثروة و السمعة الطيبة، و يذهبون إلى مختلف أنحاء العالم بتجارتهم، و يرى بعضهم في مختلف المواسم‏ 
في مصر و أثيوبيا و في بلاد العرب و فارس و في الهند و تركيا، و حيثما ذهبوا، يكونون موضع الاحترام و التبجيل، لأنهم مزودون بحذق كبير في المهن التي يمارسونها. و فضلا عن ذلك يتصفون بأنهم محتشمون و شرفاء في حديثهم، و لا يتفوهون أبدا بكلمات غير لائقة أمام الآخرين. و يعبر الأصغر عن احترامه للأكبر منه، سواء في المحادثة أو في أية مناسبة أخرى. و يبلغ هذا الاحترام درجة تحول بين الشاب و بين الكلام عن الحب أو عن الفتاة التي يحبها بحضور والده أو عمه. كما أنه يستحي أن ينشد قصيدة حب و غناء بمجرد أن يرى أخاه الأكبر. و عندما يصل الأولاد لجوار أناس يتكلمون عن الحب، يغادرونهم حالا. تلك هي العادات الطيبة و تقاليد التربية الجيدة التي تجدها عند سكان مدن البربر.


سكان بوادي البربر عيوب مذمومة


فسكان بلاد البربر فقراء و متغطرسون، حقودون بدرجة لا مثيل لها. و يقال انهم يحفرون فوق الرخام عبارات السباب و لا ينزعون الغل من صدورهم. و هم غير موطيّ الأكناف لا يألفون و لا يؤلفون حتى إنه من النادر أن يستطيع الغريب سبيلا الى صداقتهم.
و هم على درجة من السذاجة تجعلهم يصدقون أيّ أمر مستحيل. و الشخص العامى منهم يجهل تماما كل القوانين الطبيعية، حتى إنه ليعتبر كل الظواهر الطبيعية مهما كانت كأنها أعمال ربانية. و هم غير منسجمين في أسلوب عيشهم كما في تصرفاتهم، و يتعرضون للغضب كثيرا. و في أغلب الأحيان نجدهم يتجاذبون أطراف الأحاديث المتعجرفة بصوت مرتفع. و من النادر ألا يرى الإنسان في الشوارع المزدحمة شخصين أو ثلاثة و هم يتلاكمون بقبضات أيديهم. و هم من طبيعة حقيرة. و ليس لأمرائهم مكانة يعتد بها حتى يمكن القول بأن الأمير فيهم هو أقرب الى الحيوان منه الى إنسان متحضر. و ليس بينهم وجهاء و لا قضاة مكلفون بإدارة شئونهم أو بنصحهم على مسألة ما في سياسة أمورهم.
و فضلا عن ذلك فهم محدودو التفكير و جهال في أمور التجارة، فليس لديهم مصارف، و ليس لديهم شخص يتعهد بنقل البضائع من بلد لآخر، فعلى كل تاجر أن يبقى قرب بضائعه و أن يسافر معها.
و هم من أكثر الناس بخلا حتى إن معظمهم لا يرغب الواحد منهم في ايواء غريب لا مجاملة و لا تقربا إلى الله. و القليل منهم أيضا الذين يردون المعروف لمن له عليهم فضل سابق. و هم اناس مفعمون بالقلق و سوداويون لا يتذوقون الدعابة. و هذا يعود الى اهتمامهم بمطالب الحياة المادية دون توقف. لأن فقرهم شديد و ارباحهم هزيلة. و يعيش الرعاة في ضنك سواء في ذلك اهل الجبال منهم واهل السهول، و ذلك لقلة مواردهم فهم في بؤس مقيم وفاقة مزرية. و هم جفاة، لصوص، و جهال. و لا يسدودن ما سبق ان اقترضوه. و الديوثون منهم اكثر من الذين يتصفون بالعفة. فكل الفتيات قبل زواجهن يستطعن ان يعشقن و ان يتذوقن ثمرة الحب. و حتى الاب نفسه يقوم باستقبال عاشق ابنته‏ 
بكل ترحاب، و كذلك الاخ بالنسبة لعاشق اخته، بحيث لا نجد امرأة تحمل بكارتها لزوجها. و لكن من الصحيح القول انه ما ان تتزوج الفتاة حتى يكف العشاق عن مطاردتها، فيذهبون الى اخرى. و معظم هؤلاء ليسوا مسلمين و لا يهودا، و يزيد بعدهم عن المسيحية. و ليس لديهم اي معتقد، و هم ليسوا بلا ديانة فحسب، بل ليس لديهم اي ظل من الدين، و لا يقومون باي صلاة و ليس لهم معابد و يعيشون كالسائمة. و اذا كان بينهم من عنده شي‏ء ضئيل من شعور التقوى، فهو مضطر ان يعيش كالآخرين لانه يفتقر لأية مبادى‏ء دينية، و ليس هناك من فقهاء يرشدونه، و لا قاعدة مستقيمة يسير عليها.

بربر الصحراء أو النوميديون
أما سكان نوميديا فهم أكثر تهذيبا من السابقين، لأنهم يتمسكون بقواعد الأخلاق، و يدرسون الشريعة الاسلامية. و لكنهم لا يعرفون شيئا كبيرا عن العلوم الطبيعية. و هم رجال مدربون على استعمال السلاح، شجعان، و لكنهم طيبون جدا.
و النوميديون قوم بعيدون عن رحاب المعرفة، و يجهلون طريقة السلوك النظامي في الحياة العادية. فهم غدارون، قتلة، و لصوص، دون أي اعتبار أو مراعاة. و هم أيضا بلا إيمان و لا قاعدة دينية. لقد عاشوا في كل الأزمنة و يعيشون و سيعيشون دوما في البؤس. و لا يوجد صنف من الخيانة لا يرتكبونه مدفوعين بالحاجة أو الرغبة في شي‏ء ما.
و لا يوجد بين الحيوانات من يحمل قرونا في طول قرون هؤلاء الأسافل‏ . فهم يكرسون كل حياتهم لفعل الشر و للصيد و للاحتراب فيما بينهم و لرعي ماشيتهم في الصحراء، و يمشون دوما حفاة عراة.

اكثر الأمراض شيوعا عند الأفارقة

من الشائع رؤية مرض القرع فوق رؤوس الأولاد الصغار و فوق رؤوس النساء البالغات، و يعانون الكثير في سبيل شفائه، 
كما يصاب الكثير من الرجال بآلام الرأس التي تعتورهم أحيانا دون أن يصابوا بالحمى. 
و تكثر أوجاع الأسنان بصورة كبيرة بينهم. و المعتقد أن سببها يرجع الى أن الناس يشربون المأ البارد فور تناولهم حساء ساخنا.
و يشكون أيضا من آلام المعدة التي يسمونها عن جهل آلام القلب.
و كثيرون منهم يتألمون في كل ايامهم من الزحار و من آلام شديدة في الاحشاء، و يعود هذا أيضا للماء البارد الذي يشربونه. 
هذا و يكثر الذين يشكون من أمراض عرق النساء و أوجاع الركبة. و تنتج هذه من عادة الناس هناك الجلوس على الأرض دون لبس أي نوع من السراويل. 
و هناك القليل من الأشخاص الذين يشكون من النقرس، غير انه يلاحظ وجوده لدى بعض الأمراء المصابين به لأنهم ألفوا شرب الخمر و أكل الدجاج أو الوجبات اللذيذة. 
و يؤدي استهلاك الكثير من الزيتون و الجوز و بعض الأطعمة الغليظة التى ليس ليها كبير قيمة في التغذية الى مرض الجرب الشديد الألم للذين يصابون به‏ ، 
 و يؤدي الجلوس على الارض في أثناء الشتاء أحيانا لسعال شديد و مؤلم لدى الذين تكون طبيعتهم دموية. و غالبا ما يتسلى الناس أحيانا في المساجد يوم الجمعة حيث يجتمع عادة آلاف الأشخاص. فإذا كان الخطيب في أفضل جزء من خطبته و حدث أن سعل أحد المصلين، فإن آخر يأخذه السعال و هكذا دواليك، بحيث يأخذ كل المصلين بالسعال في نفس الوقت تقريبا حتى نهاية الخطبة، و ينتشر الناس بعد الصلاة دون ان يسمع أحد شيئا من الخطبة.
أما المرض الافرنجي‏ (الزهري) الموجع جدا، و الذي تصاحبه الآلام، مع بثور و قروح، فهو شديد الانتشار للغاية في كل بلاد البربر، حتى ان القليل من الناس الذين ينجون منه. و لكن من الصحيح أنا لا نكاد نجد فردا واحدا مصابا به في الأرياف و في جبال الأطلس، كما لا يوجد مطلقا بين العرب إلا في نوميديا، أي بلاد النخيل و ليبيا. كما لا يأتي حتى ذكر هذا المرض في بلاد السودان و عندما يصاب به إنسان ما، فإنه يشفى حالا بمجرد أن يغير الهواء، أي إذا ذهب الى نوميديا مثلا.
و في الماضي لم ير أحد هذا المرض كما لم بسبق أن سمع أحد باسمه. و لكن في العصر الذي أخذ فيه دوق فرديناد ملك أسبانيا، يطرد اليهود من هذا البلد ، و فد كثير من هؤلاء الى بلاد البربر. و منذ ذلك الوقت أخذ هذا المرض بالظهور فيها، لأن عددا من هؤلاء اليهود نقلوه معهم من أسبانيا، و كان من سوء حظ بعض الأفراد المساكين من المسلمين ان حدثت لهم علاقات مع نساء من هؤلاء اليهوديات. و هكذا، و شيئا فشيئا، لم تبق أسرة واحدة سليمة منه في خلال عشرة أعوام. و المصابون الأوائل بالعدوى اعتبرهم الناس مجذومين، و طردوا من يبوتهم كي يقيموا مع الجذومين. و لكن عندما ظهر أن عدد الأشخاص المصابين به يتزايد يوميا، و عندما لوحظ أن هذا التعفن قد انتاب عددا عظيما من الناس في كل أسبانيا، راح المرضى يتابعون حياتهم اليومية العادية، و عاد الى بيوتهم الذين أبعدوا عنها، و يؤكد الناس في بلاد البربر، أن أصل هذا المرض هو من أسبانيا، و يحمل نفس الاسم كما في أسبانيا، و لا سيما في موريتانيا. و يسميه أهل تونس‏ 
المرض الافرنجى كالايطاليين، و كذلك الحال في مصر و في بلاد الشام، و قد أدى هذا المرض إلى كثير من الكوارث، و لا سيما في مملكة تونس‏.
و هناك عدد من الناس المصابين بمرض الخاصرة 
و قليل من الناس في بلاد البربر يشكون في المرض الذي يسميه اللاتين الهرني‏hernie (الفتاق). و لكن الكثير من الناس يشكون منه في مصر. و أحيانا تصبح الخصيتان عند بعضهم متورمتين لدرجة تبدو عند رؤيتها شيئا غير عادي. و يعتقد ان علة كهذه تنجم عن اكل الصمغ و الكثير من الجبن المالح‏
و يلاحظ مرض القرع في كثير من الاحيان بين اطفال افريقيا. و لكن هؤلاء لا يشفون منه مع تقدم سنهم. و تصاب الكثيرات من النسوة بهذا المرض و خاصة في بلاد البربر و في بلاد السودان. و يعتبر بعضهم هؤلاء المرضى كأن بهم مسا من الشيطان، و هذا من الحمق.
و يظهر الطاعون في بلاد البربر مرة في كل عشرة اعوام، او خمسة عشر عاما او كل خمسة و عشرين عاما . عندما يداهم الطاعون الناس يقضي على الكثير منهم لأنه لا يوجد انسان يهتم بهذا المرض و لا باستعمال اي علاج، فيما عدا دهن الجسم بتراب ارمينية حول الدمامل. و لم يظهر في بلاد نوميديا منذ مائة سنة. و لم يظهر مطلقا في بلاد السودان.

المنازل الفلاحية


المنازل الفلاحية

مُساهمة من طرف العتيق في الإثنين فبراير 04, 2013 3:07 pm

1 - الجبهة ...............14 يوما ..............90 يونيو
2 - أطول نهار ..................................23 يونيو
3 - العنصرة .............13 يوما ...............07 يوليوز
4 - الصمايم (السموم).............40 يوما................25 يوليوز
5 - فصل الخريف ................................30 غشت
6 - أطول ليل ................................... 23 نوفمبر
7 - الشاولة .................13 يوما .............26 نوفمبر
8 - فصل الشتاء ..................................29 نوفمبر
9 - النعايم ...................13 يوما ............09 دجمبر
10 - البلدة ..................13 يوما ............22 دجمبر
11 - الليالي ................. 40 يوما............25 دجمبر
12 - سعد بندبيح .............13 يوما .............04 يناير
13 - سعد بلاع ...............13 يوما ............17 يناير
14 - سعد السعود .............13 يوما ............30 يناير
15 - سعد الخبية ..............13 يوما ...........12 فبراير
16 - فرع المقدم الأول .........13 يوما ...........25 فبراير
17 - فصل الربيع .................................28 فبراير
18 - فرع المقدم الثاني ........13 يوما ............10 مارس
19 - الحسوم ................8 ليال و7 أيام .......10 مارس
20 - بطن الحوت ............13 يوما .............23 مارس
21 - تساوي الليل والنهار ..........................27 مارس
22 - النطح .................13 يوما .............05 أبريل
23 - المعزى والراعي .............................13 أبريل
24 - البطاين ................13 يوما .............18 أبريل
25 - الثرية .................13 يوما .............01 مــاي
26 - النيسان ................8 أيام ...............10 مــاي
27 - الدبران ................13 يوما .............14 مــاي
28 - فصل الصيف ................................30 مــاي

*** اعداد المرحوم احمد العر بي أبوسلهام / طنجة 


السنة الشمسية بها 4 فصول و 12برجا و28 منزلة
وكل فصل من فصول السنة به 3بروج و7 منازل
فصل الربيع :
بروجه هي : الحمل - الثور - الجوزاء
ومنازله هي:فرع المقدم - فرع المؤخر - بطن الحوت - النطح - البطين - الثريا - الدبران.
فصل الصيف :
بروجه هي : السرطان - الاسد - السنبلة.
ومنازله هي : الهقعة - الهنعة -الذراع - النثرة - الطرفة - الجبهة - الخرثان .
فصل الخريف :
بروجه هي : الميزان - العقرب - القوس .
ومنازله هي : الصرفة - العواء - السماك - الغفار - الزبنان - الاكليل -القلب .
فصل الشتاء :
بروجه هي : الجدي - الدلو - الحوت .
ومنازله هي : الشولة - النعايم - البلدة - سعد الذابح - سعد بلع -سعد السعود - سعد الأخبية .

samedi 1 avril 2017

طرد الرومان وولاتهم الافرنج من المغرب

المنطقة التي تقع فيها تونس و طرابلس كانت واقعة تحت هيمنة أمراء بوليا و صقلية، في حين كان ساحل قيصرية و موريتانيا (جبال الريف) تحت سيطرة القوط ، و في ذلك العصر أيضا هرب الكثير من الأمراء النصارى من جبروت القوط، و هجروا مناطقهم الوادعة و جاءوا ليسكنوا ضواحي قرطاج حيث اتخذوا على أثر ذلك ملكيات لانفسهم. و لكن يجب ان نعرف ان هؤلاء النصارى اعتنقوا مذهب الأريوسيين الذين كان ينتسب اليهم القديس أو غسطين‏ . و عندما جاء العرب لفتح بلاد البربر، وجدوا النصارى قد أصبحوا سادة و أمراء هذه المناطق. كما كان ينشب بينهم الكثير من الحروب، و لكن أراد الله أن يمنح النصر للعرب. و هكذا هرب بعض الآريوسيين الى ايطاليا و بعضهم الى اسبانيا.
و بعد مائتي عام من وفاة محمد 
(صلّى اللّه عليه و سلّم) كانت بلاد البربر قد أصبحت جميعا تدين بالإسلام.
________________
ليون الافريقي

"كان ملك الفرنجة جرجير يملك ما بين طرابلس وطنجة تحت ولاية هرقل ويحمل إليه الخراج
جرجير المقتول عند الفتح من الفرنج وليس من الروم، وكذا الأمة الذين كانوا بإفريقية غالبين على البربر ونازلين بمدنها وحصونها، إنما كانوا من الفرنجة.
"

_________________
ابن خلدون


ديانات قدامى البربر

ظل سكان بلاد البربر وثنيين لمدة طويلة، و أصبحوا نصارى قبل مائتين‏ و خمسين عاما من ولادة الرسول‏ و ذلك لأن المنطقة التي تقع فيها تونس و طرابلس كانت واقعة تحت هيمنة أمراء بوليا و صقلية، في حين كان ساحل قيصرية و موريتانيا (جبال الريف) تحت سيطرة القوط ، و في ذلك العصر أيضا هرب الكثير من الأمراء النصارى من جبروت القوط، و هجروا مناطقهم الوادعة و جاءوا ليسكنوا ضواحي قرطاج حيث اتخذوا على أثر ذلك ملكيات لانفسهم. و لكن يجب ان نعرف ان هؤلاء النصارى اعتنقوا مذهب الأريوسيين الذين كان ينتسب اليهم القديس أو غسطين‏ . و عندما جاء العرب لفتح بلاد البربر، وجدوا النصارى قد أصبحوا سادة و أمراء هذه المناطق. كما كان ينشب بينهم الكثير من الحروب، و لكن أراد الله أن يمنح النصر للعرب. و هكذا هرب بعض الآريوسيين الى ايطاليا و بعضهم الى اسبانيا.
و بعد مائتي عام من وفاة محمد 
(صلّى اللّه عليه و سلّم) كانت بلاد البربر قد أصبحت جميعا تدين بالإسلام.