samedi 18 février 2017

العرب العاربة والمستعربة والتابعة للعرب

العرب العاربة

هذه الأمة أقدم الأمم من بعد قوم نوح، وأعظمهم قدرة، وأشدّهم قوة وآثارا في الأرض، وأول أجيال العرب من الخليقة فيما سمعناه.
فملوك جزيرة العرب وهي الأرض التي أحاط بها بحر الهند من جنوبها، وخليج الحبشة من غربها، وخليج فارس من شرقها، وفيها اليمن والحجاز والشحر وحضرموت، وامتد ملكهم فيها الى الشام ومصر في شعوب منهم على ما يذكر. ويقال: انهم انتقلوا إلى جزيرة العرب من بابل لما زاحمهم فيها بنو حام، فسكنوا جزيرة العرب بادية مخيمين، ثم كان لكل فرقة منهم ملوك وآطام وقصور حسبما نذكره، إلى أن غلب عليهم بنو يعرب بن قحطان.
وهي شعوب كثيرة. وهم عاد وثمود وطسم وجديس وأميم وعبيل وعبد ضخم وجرهم وحضرموت وحضورا والسلفات.
وسمي أهل هذا الجيل العرب العاربة، إما بمعنى الرساخة في العروبية كما يقال: ليل أليل، وصوم صائم. أو بمعنى الفاعلة للعروبية والمبتدعة لها بما كانت أول أجيالها وقد تسمى البائدة أيضا بمعنى الهالكة، لأنه لم يبق على وجه الأرض أحد من نسلهم.
وأهل التوراة لا يعرفون شيئا من أخبار عاد ولا ثمود لأنهم لم يقع لهم ذكر في التوراة، ولا لهود ولا لصالح عليهما السلام، بل ولا لأحد من العرب العاربة، لان سياق الأخبار في التوراة عن أولئك الأمم انما هو لمن كان في عمود النسب ما بين موسى وآدم صلوات الله عليهم، وليس لأحد من آباء هؤلاء الأجيال ذكر في عمود ذلك النسب فلم يذكروا فيها.

العرب البائدة من بني إرم

عاد وثمود وطسم وجديس وأميم وعبيل وعبد ضخم

عاد

فأما عاد وهم بنو عاد بن عوص بن إرم بن سام فكانت مواطنهم الأولى بأحقاف الرمل بين اليمن وعمان الى حضرموت والشحر. 
أما عبيل وهم إخوان عاد بن عوص فيما قاله الكلبي، وإخوان عوص بن إرم فيما قاله الطبريّ، وكانت ديارهم بالجحفة بين مكة والمدينة وأهلكهم السيل.

عبد ضخم

أما عبد ضخم بن إرم فقال الطبري كانوا يسكنون الطائف وهلكوا فيمن هلك من ذلك الجيل. وقال غيره إنهم أوّل من كتب بالخط العربيّ.

ثمود

أمّا ثمود وهم بنو ثمود بن كاثر بن إرم فكانت ديارهم بالحجر ووادي القرى فيما بين الحجاز والشام، وكانوا ينحتون بيوتهم في الجبال، ويقال لأنّ أعمارهم كان تطول فيأتي البلاء والخراب على بيوتهم، فنحتوها لذلك في الصخر، وهي لهذا العهد، وقد مرّ بها النبيّ صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ونهى عن دخولها كما في الصحيح، وفيه إشارة إلى أنّها بيوت ثمود أهل ذلك الجيل.

جديس وطسم

وأما جديس وطسم فعند ابن الكلبي أنّ جديسا لإرم بن سام وديارهم اليمامة وهم أخوان لثمود بن كاثر، ولذلك ذكرهم بعدهم وان طسما للاوذ بن سام وديارهم بالبحرين. وعند الطبريّ أنهما معا للاوذ وديارهم باليمامة.

العمالقة

وأما العمالقة فهم بنو عمليق بن لاوذ وبهم يضرب المثل في الطول والجثمان. "عمليق بن لاوذ بن إرم بن سام بن نوح"

أميم

وأمّا أميم فهم إخوان عملاق بن لاوذ يذكر أنّهم أوّل من بنى البنيان، واتخذ البيوت والآطام من الحجارة، وسقفوا بالخشب وكان ديارهم فيما يقال أرض فارس وكان من شعوبهم وبار بن أميم نزلوا رمل عالج بين اليمامة والشحر وسالت عليهم الريح فهلكوا.

العرب البائدة من بني أرفخشذ

وأما العرب البائدة من بني أرفخشذ بن يقطن بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ فهم جرهم وحضورا وحضرموت والسلف.

حضورا

فأما حضورا فكانت ديارهم بالرسّ، وكانوا أهل كفر وعبادة أوثان، وبعث إليهم نبيّ منهم اسمه شعيب بن ذي مهرع فكذبوه وهلكوا كما هلك غيرهم من الأمم

جرهم

وأما جرهم فكانت ديارهم باليمن وكانوا يتكلمون بالعبرانية، وقال البيهقي: إنّ يعرب بن قحطان لما غلب عادا على اليمن وملكه من أيديهم ولى إخوته على الأقاليم، وولّى جرهم على الحجاز، وولى بلاد عاد الأولى وهي الشحر، عاد بن قحطان، فعرفت به، وولى عمان يقطن بن قحطان انتهى كلام البيهقي، وقيل إنما نزلت جرهم الحجاز، ثم بنى قطور بن كركر بن عملاق لقحط أصاب اليمن، فلم يزالوا بمكة إلى أن كان شأن إسماعيل عليه السلام ونبوّته فآمنوا به وقاموا بأمره وورثوا ولاية البيت عنه حتى غلبتهم عليه خزاعة وكنانة فخرجت جرهم من مكة، ورجعوا إلى ديارهم باليمن إلى أن هلكوا.
وقال ابن سعيد: إنهم أمّتان أمّة على عهد عاد وأمّة من ولد جرهم بن قحطان، ولما ملك يعرب بن قحطان اليمن ملك أخوه جرهم الحجاز. ثم ملك من بعده ابنه عبد يا ليل، ثم بعده ابنه عبد المدان بن جرهم، ثم ابنه نفيلة بن عبد المدان، ثم ابنه عبد المسيح بن نفيلة، ثم ابنه مضاض بن عبد المسيح، ثم ابنه الحرس. ثم ملك من بعده جرهم بن عبد ياليل، ثم بعده ابنه عمرو بن الحرث، ثم أخوه بشير بن الحرث، ثم مضاض بن عمرو بن مضاض. قال وهذه الأمّة الثانية هم الذين بعث إليهم إسماعيل عليه السلام وتزوج فيهم

حضرموت

وأما حضرموت فمعدودون في العرب العاربة لقرب أزمانهم وليسوا من العرب البائدة لأنهم باقون في الأجيال المتأخرة، إلّا أن يقال ان جمهورهم قد ذهب من بعد عصورهم الأولى واندرجوا في كندة، وصاروا من عدادهم، فهم بهذا الاعتبار قد هلكوا وبادوا والله أعلم. وقال عليّ بن عبد العزيز إنه كان فيهم ملوك التبابعة في علو الصيت ونهاية الذكر. قال وذكر جماعة من العلماء أن أول من انبسط ملكه منهم، وارتفع ذكره عمرو الأشنب بن ربيعة بن يرام بن حضرموت ثم خلفه ابنه نمر الأزج، فملك مائة سنة وقاتل العمالقة، ثم ملك كريب ذو كراب، ثم نمر الأزج مائة وثلاثا وثلاثين سنة، وهلك إخوته في ملكه. ثم ملك مرثد ذو مروان بن كريب مائة وأربعين سنة وكان يسكن مأرب ثم تحوّل إلى حضرموت، ثم ملك علقمة ذو قيعان ابن مرثد ذي مروان بحضرموت ثلاثين سنة، ثم ملك ذو عيل بن ذي قيعان عشر سنين وسكن صنعاء وغزا الصين فقتل ملكها وأخذ سيفه ذا النور، ثم ملك ذو عيل بن ذي عيل بحضرموت عشر سنين، ولما شخص سنان ذو ألم لغزو الصين تحوّل ذو عيل الى صنعاء واشتدت وطأته، وكان أوّل من غزا الروم من ملوك اليمن، وأوّل من أدخل الحرير والديباج الى اليمن. ثم ملك بدعات بن ذي عيل بحضرموت أربع سنين، ثم ملك بدعيل بن بدعات وبني حصونا وخلّف آثارا، ثم ملك بديع ذو عيل، ثم ملك حماد بن بدعيل بحضرموت فأنشأ حصنه المعقرب وغزا فارس في عهد سابور ذي الأكتاف وخرّب وسبى ودام ملكه ثمانين سنة وكان أوّل من اتخذ الحجاب من ملوكهم. ثم ملك يشرح ذو الملك بن ودب بن ذي حمّاد بن عاد من بلاد حضرموت مائة سنة وكان أول من رتب الرواتب وأقام الحرس والروابط. ثم ملك منعم بن ذي الملك دثّار بن جذيمة بن منعم، ثم يشرح بن جذيمة بن منعم، ثم نمر بن بشرح، ثم ساجن المسمى ابن نمر وفي أيامه تغلبت الحبشة على اليمن.
هذه قبائل هذا الجيل من العرب العاربة وما كانوا عليه من الكثرة والملك إلى أن انقرضوا وأزال الله من أمرهم بالقحطانيّة كما نحن ذاكروه. ولم نغفل منهم إلّا من لم يصلنا ذكره من خيره والله وارث الأرض ومن عليها.

الطبقة الثانية من العرب وهم العرب المستعربة

وإنّما سمّي أهل هذه الطبقة بهذا الاسم لأنّ السمات والشعائر العربية لما انتقلت إليهم ممن قبلهم، اعتبرت فيها الصيرورة، بمعنى أنهم صاروا إلى حال لم يكن عليها أهل نسبهم، وهي اللغة العربية التي تكلموا بها. وأهل الطبقة الأولى لما كانوا أقدم الأمم فيما يعلم جيلا، كانت اللغة العربية لهم بالأصالة وقيل العاربة.
واعلم أنّ أهل هذا الجيل من العرب يعرفون باليمنية والسبائيّة، والصحيح الّذي عليه كافة نسابة العرب أنهم من قحطان، وأنّ سبا هو ابن يشجب بن يعرب بن قحطان بن يمن بن قيدار، وبيمن هذا سميت به اليمن.
وأما بنو سبا بن يقطن فلم يبيدوا، وكان لهم بعد تلك الأجيال البائدة أجيال باليمن منهم حمير وكهلان وملوك التبابعة وهم أهل الطبقة الثانية
وكان لسبإ من الولد كثير وأشهرهم حمير وكهلان اللذان منهما الامتان العظيمتان من اليمنيّة أهل الكثرة والملك والعزّ وملك حمير منهم أعظمه. وكان منهم التبابعة كما يذكر في أخبارهم، وعدّ ابن حزم في ولده زيدان وابنه نجران بن زيدان وبه سميت البلد.
ولما هلك سبا قام بالملك بعده ابنه حمير ويعرف بالعرنجج، وقيل هو أول من تتوج بالذهب ويقال إنه ملك خمسين سنة، وكان له من الولد ستة فيما قال السهيليّ:
 وليس بين الناس خلاف في أنّ قحطان أبو اليمن كلهم.
وكان بنو قحطان هؤلاء معاصرين لإخوانهم من العرب العاربة ومظاهرين لهم على أمورهم، ولم يزالوا مجتمعين في مجالات البادية مبعدين عن رتبة الملك وترفه الّذي كان لأولئك فأصبحوا بمنجاة من الهرم الّذي يسوق إليه الترف والنضارة، فتشعبت في أرض الفضا فصائلهم، وتعدّد في جوّ القفر أفخاذهم وعشائرهم ونما عددهم، وكثر إخوانهم من العمالقة في آخر ذلك الجيل، وزاحموهم بمناكبهم، واستجدوا خلق الدولة بما استأنفوه من عزهم.
وكانت الدولة لبني قحطان متصلة فيهم، وكان يعرب بن قحطان من أعاظم ملوك العرب. يقال إنه أول من حيّاه قومه بتحية الملك. قال ابن سعيد: وهو الّذي ملك بلاد اليمن وغلب عليها قوم عاد، وغلب العمالقة على الحجاز، وولى إخوته على جميع أعمالهم، فولّى جرهما على الحجاز، وعاد بن قحطان على الشحر، وحضرموت بن قحطان على جبال الشحر، وعمان بن قحطان على بلاد عمان هكذا ذكر البيهقي.
قال ابن سعيد وملك بعد يعرب ابنه يشجب وقيل اسمه يمن واستبدّ أعمامه بما في أيديهم من الممالك، وملك بعده ابنه عبد شمس وقيل عابر ويسمى سبا لأنه قيل إنه أوّل من سنّ السبي، وبنى مدينة سبا وسد مأرب. 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire