dimanche 20 août 2017

وصية في الطعام

وصية ابو عبد الرحمن الثوري لولده آداب الطعام:
«إياك ونهم الصبيان، وشره الزرّاع، وأخلاق النوائح . ودع عنك خبط الملّاحين والفعلة ، ونهش الأعراب والمهنة . وكل من بين يديك، فإنما حظّك الذي وقع وصار أقرب إليك. وإعلم أنه إذا كان في الطعام شيء طريف ولقمة كريمة ومضغة شهيّة، فإنما ذلك للشيخ المعظّم والصبي المدلّل، ولست واحدا منهما. فأنت قد تأتي الدعوات وتجيب الولائم، وتدخل منازل وعهدك باللحم قريب، وإخوانك أشدّ قرما إليه منك. وأنا بعد أكره لك الموالاة بين اللحم، فإن الله يبغض أهل البيت اللحمين. وكان عمر يقول: «إياكم وهذه المجازر، فإن لها ضراوة كضراوة الخمر » . وكان يقول: «مدمن اللحم كمدمن الخمر» . وقال المسيح ورأى رجلا يأكل اللحم فقال: «لحم يأكل لحما، أفّ لهذا عملا» . وذكر هرم بن قطبة اللحم، فقال: «وإنه ليقتل السباع» .
وقال المهلب : «لحم وارد على غير قرم، هذا الموت الأحمر» . وقال الأول: «أهلك الرجال الأحمران: اللحم والخمر، وأهلك النساء الأحمران: الذهب والزعفران» .
أيّ بنيّ! عوّد نفسك الأثرة ومجاهدة الهوى والشهوة، ولا تنهش نهش الأفاعي ولا تخضم خضم البراذين ، ولا تدم الأكل إدامة النعاج، ولا تلقم لقم الجمال. إنّ الله قد فضّلك فجعلك إنسانا، فلا تجعل نفسك بهيمة ولا سبعا  . واحذر سرعة الكظة وسرف البطنة. وقد قال بعض الحكماء: «إذا كنت بطينا فعدّ نفسك في الزّمني » وقال الأعشى:
«والبطنة مما تسفه الأحلاما»
واعلم أن الشبع داعية البشم ، وأن البشم داعية السقم، وأن السقم داعية الموت؛ ومن مات هذه الميتة فقد مات ميتة لئيمة، وهو قاتل نفسه وقاتل نفسه ألوم من قاتل غيره. وأعجب إن أردت العجب. وقد قال الله جل ذكره: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ
. وسواء. قتلنا أنفسنا أو قتل بعضنا بعضا كان ذلك للآية تأويلا.
أي بنيّ! إن القاتل والمقتول في النار. لو سألت حذّاق الأطباء لأخبروك أن عامة أهل القبور إنما ماتوا بالتخم. واعرف خطأ من قال:
«أكلة وموتة» ، وخذ بقول من قال: «ربّ أكلة تمنع أكلات» وقد قال الحسن : «يا ابن آدم كل في ثلث بطنك، ودع الثلث للتفكّر والتنفس» . وقال بكر بن عبد الله المزني : «ما وجدت طعم العيش حتى استبدلت الخمص بالكظة، وحتى لم ألبس من ثيابي ما يستخدمني، وحتى لم آكل إلا ما لا اغسل يديّ منه» .
يا بنيّ! والله ما أدري حق الركوع ولا وظيفة السجود ذو كظّة، ولا خشع لله ذو بطنة. والصوم مصحّة، والوجبات عيش الطالحين.
ثم قال: لأمر ما طالت أعمال الهند، وصحّت أبدان الأعراب. فلله درّ الحارث إبن كلدة حين زعم أن الدواء هو الأزم ، وأن الداء هو إدخال الطعام في إثر الطعام.
أي بنيّ! لم صفت أذهان العرب، ولم صدقت إحساس الأعراب، ولم صحّت أبدان الرهبان، مع طول الإقامة في الصوامع، وحتى لم تعرف النقّرس ولا وجع المفاصل ولا الأورام، إلا لقلة الرزء من الطعام، وخفة الزاد والتّبلغ باليسير؟
أي بنيّ! إن نسيم الدنيا وروح الحياة، أفضل من أن تبيت كظيظا وأن تكون بقصر العمر خليقا. وكيف لا ترغب في تدبير يجمع لك صحة البدن، وذكاء الذهن، وصلاح المعاد، وكثرة المال، والقرب من عيش الملائكة.
أي بنيّ! لم صار الضب أطول شيء عمرا، إلا لأنه إنما يعيش بالنسيم؟ ولم زعم الرسول صلّى الله عليه وسلّم أن الصوم وجاء ، إلا ليجعل الجوع حجازا دون الشهوات؟ افهم تأديب الله فإنه لم يقصد به إلا الى مثلك.
أي بنيّ! قد بلغت تسعين عاما ما نغض لي سنّ، ولا تحرّك لي عظم، ولا انتشر لي عصب، ولا عرفت دنين أذن ولا سيلان عين، ولا سلس بول، ما لذلك علّة إلا التخفيف من الزاد. فإن كنت تحب الحياة فهذه سبيل الحياة، وإن كنت تحب الموت فلا يبعد الله إلا من ظلم» .